نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1
Untitled 1

زجاج

الزجاج معروف [الزُّجَاجُ : القَوارِيرُ/تاج العروس]. وأكثر ما يلفت الانتباه فيه هو إمكانية الرؤية من خلاله، أي شفافيته التامة. ولعله من هذه الخاصية اعتبر القدماء الزجاج طيباً وطاهراً ونظيفاً وصافياً ونقياً. فكأن سبب سهولة قدرتنا أن نرى خلال الزجاج أنه لا يوجد داخله شيء يعكره ويشوبه ويلوثه، أي كأنه خال وفارغ تماماً من الداخل وكأنه هواء. ولعله لذلك سمّاه القدماء بلسانهم باسم يحمل هذه المعاني أخذوه من جذر (زكا) وأشباهه.

فمثلاً ظهر اسم الزجاج باللغة الكنعانية العبرية بصيغة زكوكيت من جذر زكك أو زكه العبريين :  أيوب 28/17 [لأ־يعركنه زهب وزكوكيت وتمورته كلي־فز]، بمعنى لا يعادلها الذهب ولا الزجاج ولا تبدل باناء ذهب ابريز. 

والزجاج بالأكدية: زَكَكَتُ. وكذلك زَكو بالأكادية بمعنى : زكي، طاهر، نقي، صافي (ص 721، قاموس اللغة الأكدية - العربية ، د. علي ياسين الجبوري). وهذا يؤيد أن اشتقاق كلمة زجاج من فعل زكا (طهر، صفا، نقى، ...). وكأن القدماء سموه بذلك لصفائه ونقائه وطهره، أي كأنهم رأوا الزجاج زكياً فسموه بمعنى الزكي.

 

جذر زكا فيه معنى الطهارة والطيب والصلاح والصفاء

تاج العروس : زَكا الرَّجُلُ  يَزْكُو زكواً: صَلُحَ ؛ وَبِه فُسِّر قوْلُه تَعَالَى: مَا زَكَى مِنْكُم مِن أَحَدٍ ، أَي مَا صَلُحَ.... والزَّكاةُ: صَفْوَةُ الشَّيءِ ...وقالَ ابنُ الأثيرِ: الزَّكاةُ فِي اللُّغَةِ الطَّهارةُ والنَّماءُ والبركةُ والمَدْحُ

تاج العروس: وتَزَكَّى: ...وأَيْضاً: تَطَهَّرَ. وَهَذَا الأَمْرُ لَا يَزْكُو بفلانٍ: أَي لَا يليقُ بِهِ.

البحر المحيط في التفسير :ومعنى يزكي من يشاء أي: من يشاء تزكيته بأن جعله طاهرا مطهرا

انيس الفقهاء : والزكي والزاكي: الطاهر.

 

ولفظ (ذكا) من لهجات (زكا)، لأنه يشبهه لفظاً ومعنى، إذ فيه معنى الطهارة والطيب والنفاذ:

العين :وذكاء: الشمس بعينها/ الصحاح :الذكاءُ ممدودٌ: حِدّة القلب/مقاييس اللغة :ذكا ... يدل على حدة [في] الشيء ونفاذ. يقال للشمس " ذكاء " لأنها تذكو كما تذكو النار. والصبح: ابن ذكاء، لأنه من ضوئها./ المخصص :  ذَكَا يَذْكُوُ وذَكِيَ وَأَصله التوَقُّد واللَهَبان/ كتاب الأفعال : و"ذَكَت... والريحُ طابت/ الفائق في غريب الحديث : الذَّكَاة تُحل الذَّبِيحَة وتطيبها./ مشارق الأنوار : ذكاء الطّيب انتشار رِيحه/ النهاية في غريب الحديث والأثر : «ذَكَاةُ الأرضِ يُبْسُها» يُريدُ طهارَتَها مِنَ النَّجَاسَةِ/ المعجم الوسيط :وذكت ... َالرِّيح ... وَطَابَتْ يُقَال ذكا الْمسك فَهُوَ ذَاك

 

وجذر زكا فيه معنى النماء وكذلك جذر ذكا:

الفائق في غريب الحديث : الزَّرْع إِذا ذكا/ لسان العرب : وتَذْكِيَةُ النَّارِ: رَفْعُها.

 

والعبرية تكتب كلمة (زكوكيت) بالكاف، ولكن تنطقها بالخاء (زخوخيت). وتوجد كلمة عربية (زخيخ) كأنها تلفظ الكاف بالخاء:

العين : والزخيخ: شدة بريق الجمر والحر/ تهذيب اللغة : الزَّخِيخ بَرِيق الجَمْر/ المحكم والمحيط الأعظم: والزَّخِيخُ: النَّار، يَمَانِية/ جمهرة اللغة : والزخيخ: النَّار لُغَة يَمَانِية/ لسان العرب : والزَّخِيخُ: النَّارُ، يَمَانِيَةٌ؛ وَقِيلَ: هِيَ شدَّة بَرِيقِ الْجَمْرِ وَالْحَرِّ والحَرِير لِأَنَّ الحَريرَ يَبْرُق مِنَ الثِّيَابِ

 

 

الخلاصة

قد تكون كلمة (زجاج) من أصل كلمة (زكا، ذكا، زخخ، ...) أي من معنى الطهارة والصفاء والطيب والنقاء، لأن هذه الجذور تصف الخاصية التي بالزجاج وهي النفاذ  والشفافية والرؤية من خلاله.

كما يحتمل معنى البريق واللمعان لانعكاس الضوء على الزجاج، وهذا متضمن في جذر زخخ، ذكا

ولفظ كلمة زجاج العربي يشبه اللفظ الأرامي: زجوجا/ زجوجيتا، ولعل هذا اللفظ الجديد (بالجيم)، من الأصل الذي ذكرناه.

 

 

 

حامد العولقي