نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

أسماء بعض السبئية وجذر سبأ

نبذة سريعة عن جذر سبأ الحميري

فعل (سبأ) شهير بالمسند الحميري (النقوش اليمنية القديمة)، ومعناه (= غزا، أغار، سار، تقدم، سافر، رحل، طرق، مشى،...).

 

حول أسماء بعض السبئية

 يبدو من أسماء هذه الشخصيات السبئية، وكأن الروايات اخترعتها بناء على ما فعله أصحاب هذه الأسماء من غزو وحرب وقتل. فأولئك الأشخاص كأنهم لم تكن لهم أسماء عُرفوا بها من قبل، حتى فعلوا ما فعلوا من فتن وثورات. وهذه عينة من بعض الأسماء يبدو فيها اسم الشخص السبأي مرتبطاً بفعله خلال الفتنة.  

 

ابن سبأ

 الاسم (ابن سبأ) نسبة لحاله وصفته، وهو السير والترحال والتطواف في البلدان (وهذا صميم معنى جذر سبأ الحميري). فالذي اسمه (ابن سبأ) كان قد سبأ (= سار) من أرض إلى أرض: من صنعاء إلى المدينة إلى البصرة إلى الكوفة إلى دمشق إلى مصر. ثم سبأ (= سار) من مصر بجنوده إلى المدينة، وبعد مقتل الخليفة، سبأ (= سار) ابن سبأ إلى البصرة (أثناء معركة الجمل) ثم إلى الكوفة. وأخيراً نُفي ابن سبأ إلى ساباط، وهذا النفي والتغريب (= التسيير) غير بعيد لغة عن اسم ابن سبأ [سَبَاكَ اللهُ ...أَي أَبْعَدَك وغَرَّبك/اللسان]. فنجد أن معنى الفعل الحميري (سبأ) مرتبط بوضوح بحال ابن سبأ وهو السير والتسيير من أرض إلى أرض.  

 

ابن حرب (ابن سبأ)

 ابن سبأ هو ابن السوداء وهو ابن حرب. وليست تسميته بابن حرب إلا لحاله وصفته. فهو ابن حرب لأنه يريد الحرب بين المسلمين ويسعى دائباً لإيقاد نارها. فابن حرب الذي يشعل الحرب، والسبئية الذين سبأوا (= ساروا غازين محاربين) إلى عثمان، هم   شيء واحد (فعلهم واحد). فهو رمزهم وروحهم، وهم جسده ويده. فابن سبأ (ابن حرب) كما تتضمن الروايات هو رأس من أشعل نار الحرب بين المسلمين. وكما سُمّي الذي سبأ (= غزا) المدينة باسم (ابن سبأ)، كذلك سُمّي الذي حارب الخليفة والمسلمين باسم (ابن حرب).

وبالروايات رأينا اقتران كلمتي سبأ وحرب: (1) كما في الاسمين (ابن سبأ) و(ابن حرب)، وهما لنفس الشخص. (2) وأيضاً كما في اقتران اسم ابن سبأ واسم السبئية بالحرب التي جرت بين المسلمين. ولو نظرنا في نقوش حمير لوجدنا الكلمتين (سبأ وحرب) مقترنتين أيضاً: (1) فإنه إذا جاء في المسند فعل (سبأ) فالمقصود غالباً حملة عسكرية حربية، أي أن القوم ساروا إلى (الحرب). (2) كذلك بعض النقوش التي تحوي كلمة (سبأ) تذكر كلمة (حرب)، بل جاء جذرا سبأ وحرب متجاورين متتابعين في أحد النقوش  [جام 650 : بكل سبأت وحريب سبأو وشوعن مرأهمو ..  بكل هنت سبأت وحريب].   

 

أبو حرب بن حرب

 الغافقي رئيس الذين سبأوا (= غزوا) المدينة،  تسمّى (ابن حرب)، وهذا الرئيس هو أيضاً (أبو حرب). وفي هذا إشارة لارتباط ألفاظ (سبأ، حرب)، كما هي بمساند حمير.  فالأسماء  (ابن سبأ) و(ابن حرب) و(أبو حرب)  تفيد معنى أن السبئية  سبأوا  (= غزوا) المدينة وأشعلوا الحرب. وهذا نفس معنى (سبأ)  في مساند حمير (الغزو والحرب).  فالكنية (ابن حرب) أو (أبو حرب) تدل على الشر (شر الأسماء حرب) الذي أحدثه صاحبها من تأليب على الخليفة وقتله.

ولو نظرنا في الاسم (الغافقي)، لوجدنا أنه يصف حاله مع عثمان. فهو من الذين هجموا على عثمان (والغفق الهجوم)، وأحاطوا به فحصروه (واغتفق أحاط) . وهو من الذين ارتدوا وعطفوا (والمغفوق المعطوف)، وكروا فجأة على عثمان بعد انصرافهم (والمغفق المرجع). فكل هذه الأعمال من معاني جذر غفق. ولو نظرنا في الاسم العكّي، لوجدنا فيه معنى الانعطاف والالتواء (على الخليفة)، ومعنى الحصار، ومعنى المكوث (للحصار).

فيبدو أن هذه أسماء تصف أحوال من سبأ (= غزا) المدينة، اخترعها الرواة لهذا الغرض، ثم التبست فيما بعد مع أسماء قبائل وعشائر مشابهة، أو أن الرواة منذ البداية اختاروا من أسماء القبائل ما يناسب صفة غزاة عثمان.  

 

ابن ضابىء السبائي

 يبدو أن الروايات الأولى أرادت أن يكون اسم الفاتك بصورة (ابن ضابىء)، على طريقة تسميات (ابن كذا)، مثل: ابن سبأ وابن حرب. فيفهم من الروايات أن الضابىء الذي ضبأ هو عمير، ومن ثم نسبه الرواة إلى فعله (ضبأ) لأجل الغدر والفتك، أو من معنى (نكل عن) عزمه لقتل عثمان، فأطلقوا عليه اسم (ابن ضابىء). وتقول الروايات أن (ابن ضابىء) غزا عثمان وهذا الفعل (غزا) هو معنى فعل (سبأ) بالحميرية. وليس هذا فحسب، بل صرّحت الروايات أن (ابن ضابىء) سبائي.

فهل من قبيل الصدفة أن يتشابه حال (ابن ضابىء) مع حال جذري (سبأ، ضبأ) اللذين كثيراً ما يأتيان بالنقوش الحميرية مقترنين ويتلو أحدهما الآخر. فاسم (ابن ضابىء) يحتوي على جذر (ضبأ). ووصفه (أنه سبائي) يحتوي على جذر (سبأ). وفعله (أنه غزا عثمان) يحتوي على معنى كلمة سبأ. فيبدو أن نشوء الاسم (ابن ضابىء) هو من غزوه لعثمان ووثوبه عليه. 

 

التجوبي أو التجيبي

 قاتل عثمان وقاتل علي كلاهما من تجيب أو تجوب. فاختيار اسم إحدى القبيلتين (تجيب، تجوب) لابد أنه كان يخدم معنى أراده الرواة الأوائل. وقد يكون المعنى الذي أراده الرواة من الاسم (التجوبي) هو أن الفاتك طارىء وليس من أهل البلدة (المدينة المنورة). فهو تجوبي يجوب الآفاق جاء من خارج المدينة من مصر. فالفاتك (جاب البلاد) لغرض القتل، سواء لقتل عثمان أو لقتل علي. وهذا الجوب (للبلاد) هو اشتقاق اسم قبيلة تجوب لدى أهل الأنساب. فالرواة أرادوا قول أن القاتل (قاتل عثمان أو علي) لم يكن من أهل القرية (المدينة والكوفة)، ولكن جاء من خارجها وكأن القاتل (التجيبي، التجوبي) كان (يجوب) البلدان حتى وصل إلى الخليفة. وفعل (جاب) يتلائم تماماً مع معنى فعل (سبأ) الحميري الذي بمعنى (سار). فقاتل عثمان (تجوبي أو تجيبي) وكذلك هو (سبائي)، ومثله تماماً قاتل علي.  

 

ابن الأيهم

يدل اسم هذا القاتل (ابن الأيهم) أنه كان مندفعاً بشدة نحو قتل عثمان كاندفاع السيل والبعير الهائج، وهذا غير بعيد عن معنى سبأ الحميري. و(ابن الأيهم) لا أظنه شخصاً محدداً ولكن فكرة تصف وتمثل شدة اندفاع السبئية ومدى جرأتها على الخليفة والأمراء، وبالتالي تفسر إخفاق المدافعين والعقلاء في صد وإيقاف هذا الهجوم الغوغائي والاندفاع الجنوني. 

 

حامد العولقي