نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

لماذا الحجاج لا دُبر له ؟

قال المسعودي (فولدت له الحجاج بن يوسف مشوهاً لا دُبُرَ له، فثقب عن دبره/مروج الذهب)، وبتعابير أخرى (فثقب دبره/غرر الخصائص)، (فنقب عن دبره/مرآة الجنان)، (فثقب له دبر/المستطرف– الأبشيهي). وهذه قصة خرافية ابتكرها الراوي ليعبر بها بأسلوب خيالي مبتكر عن معنى: أن الحجاج رجل (ذَكَر).

وهذه الذكورة الخيالية للحجاج التي ابتدعها الراوي قصد بها المبالغة في وصف شدته وشجاعته وجرأته وإقدامه وصرامته وجده وضبطه. فالراوي وجد الحجاج حازماً ماضياً مهاباً لا يضحك ولا يمزح ولا يعرف التردد والرحمة والرأفة والشفقة. وجده قاسي القلب كالحجر بالغ الصلابة لا يتورع عن سفك دماء المسلمين لأتفه سبب دون أن يرمش له طرف أو يندى له جبين. وجده فظاً غليظاً لا ينثني فيه شيء ولا تلين له قناة من رقة أو عطف أو جزع.

ويقال فلان (حيّة ذكر) إذا كان شديداً شجاعاً جريئاً شهماً وكذلك كان الحجاج، فقالوا عنه: (الحجاج حية ذكر/ الفتوح لابن أعثم)، (جاء الناس أمر ذكر/ تجارب الأمم - مسكويه)، (أتى القوم وال ذكر/ جاءكم وال ذكر/أنساب الأشراف)، (هذا واللّه الذكر من الرجال/مروج الذهب)، (قدم العراق اليوم رجل ذكر/نهاية الأرب)، (ولي العراق خير ذكر/العقد الفريد).

وأما راوي حكاية ولادة الحجاج فقصد معنى العبارات السابقة ولكن أراد أسلوباً أقوى فاستوحى منها تعبيره الجديد (لا دُبُرَ له). وكأن هذه الصورة الرمزية المبالغ فيها اعتبرت وجود الدبر ينافي ذكورة الحجاج أو يضعفها. وربما كانت عبارات (ممسوح الجاعرتين/تاريخ الطبري)، (منقوص الجاعرتين/غرر الخصائص)، متعلقة بنفس المعانى السابقة، ولست متأكداً.


 

حامد العولقي