نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

احتمالات معنى الحلق للخوارج

العلامة (للخوارج) على الأرجح هي علامة جسدية[1] وليست معنوية. ولكني أعرض كل العلامات المحتملة (قريبة الاحتمال وبعيدته) سواء جسدية أو معنوية.

الفهم الذي شاع حول معنى الحلق هو حلق شعر الرأس (انظر موضوع: الفهم الشائع حلق شعر الرأس). وتوجد آراء قديمة أخرى لمعنى الحلق مثل: القتل، حلقة المسجد، التخلق (هل تصحفت إلى التحلق؟)[2] والتخالق (هل تصحفت إلى التحالق؟)[3]، التخالف (انظر موضوع: آراء غير مشهورة للحلق). كذلك قد يكون (محلّق، تحليق) تصحيفاً في لفظ (محكّم، محكّمة، تحكيم)، أو في لفظ (العلامة) وغيره كعبارة (الجبين المفلّق). كما وضحت أن الحلق قد يكون بمعنى الحلقة (العلامة المدورة على الجبهة) أو أن الحلق هو تقشر الجبهة (انظر موضوع: هل حلق الخارجي هو أثر السجود). وقد يكون الحلق من حلوقهم (ألسنتهم أحلى من العسل) أو أن المحلٌّق بمعنى غائر العين (من الزهد والجوع أو السهر والعبادة).

 

هل الحلق تصحيف التخلق والتخالق؟

اشتهر الخارجي بحسن السمت والأخلاق (وما دينهم غير الهوى والتخلق/ الكامل في اللغة). فلعل علامة الخارجي هي التخلق (سيماهم التخلق)[4] والتخالق (سيماهم التخالق)[5]، ثم ربما تصحف هذا اللفظ إلى حلق وتحلق وتحالق.

والسمت أو التسميت[6] من صفات الخوارج [وما سمتهم؟ قال: الحلق والسمت][7]، فقد يكون الأصل (الخلق والسمت).

 

هل محلّق بمعنى غائر العينين؟

ربما وصف الخارجي أنه محلوق، لأن عينيه غائرتان[8] (من الجوع أو السهر في العبادة)[9]. ولعل مثله سبب تسمية الخوارج بالراسبية (من رسوب أعينهم من الجوع أو العبادة).

 

هل حلق تصحيف كلمات مثل: حكم، علم، علب، فلق، حلم، خلق؟

كان الخط قديماً نادر التنقيط أو بدونه، ولم تكن العديد من الأحرف المخطوطة باليد تتمايز في الرسم عن بعضها كثيراً، فكان من السهولة على القارئ أو الناسخ أن يلتبس عليه رسم حرف فيخطئ في قراءته أو نسخه فيظنه حرفاً آخر (لشبهه إياه في الرسم). فلعل كلمات مثل: (حكم، علم، فلق، خلف، حلم، ...)، قرأت أو نسخت بصورة (حلق) لتشابه الأحرف وانعدام التنقيط. فالخوارج اشتهروا بالتحكيم (شعارهم المعروف: لا حكم إلا لله) أو أنهم محكّمة. فربما تصحف رسم (تحكيم، محكمة، محكم)[10] إلى (تحليق، محلقة، محلق). كما كثر بروايات الخوارج ذكر كلمة (علامة، علامتهم، ..)، فلعل كون الخارجي (معلّماً)[11] تصحف إلى (محلّق). وقد يأتي لفظ (معلّمة)[12] بصورة (معلّبة)[13] لتبادل الميم والباء كثيراً في اللغة، أو (معلنة)[14] أو (مقلّبة)[15]. وكثر ذكر كلمة (حلمة) في وصف ذي الثدية، فربما تصحفت إلى حلقة وحلق. كذلك ربما تصحفت الخاء في مثل (أخلقت وجهه العبادة/ العقد الفريد) إلى حاء. 

 

هل الحلق من الحلق (الحلقوم)؟

(سيماهم التحليق يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم/الطيالسي)، (قوم يتكلمون بكلمة الحق، لا يجاوز حلوقهم / أحمد)، (سيخرج قوم يتكلمون بالحق ولا يجوز حلقهم/ السنة لعبد الله بن أحمد)، (يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم وحناجرهم/ النسائي)، (وضع يده على حلقه)[16]، (يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم/ أحمد)، (يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا، منهم، وأشار إلى حلقه/مسلم)، (يقولون أو يتكلمون بكلمة الحق بأفواههم/ جامع الأحاديث). وهذا مثل ما جاء في الآثار عن قول الخوارج (لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب/ الكامل للمبرد)، (يقولون من خير قول البرية/ قوم يحسنون القيل/ يقولون الحق/ ..)، (ألسنتهم أحلى من العسل)[17].

 

الخلاصة

أظن أن روايات الخوارج التي وصلتنا قد نسخت (زمن الدولة العباسية) من صحف قديمة دارسة (لعلها كتبت زمن الحجاج أو بعد معاوية، حيث كانت حركات الخوارج على أشدها)، ولذلك كثر فيها سوء القراءة وسوء النسخ وسوء الفهم. ولذلك علينا أن ننظر في كل الاحتمالات لمعنى الحلق، لكي نحاول فهم وترجيح أقرب احتمال.


[1] أنساب الأشراف للبلاذري : علامتهم ان فيهم رجل مخدج اليد/ تاريخ بغداد :عَلامَتَهُمْ ذُو الْخُدَاجَةِ/ روضة المحدثين :علامتهم رجل عضده كثدى المرأة/ إتحاف الخيرة المهرة :علامتهم رجل يده كثدي المرأة /جامع الأحاديث : فى هؤلاء القوم علامة قال يحلقون رؤوسهم فيهم ذو الثدية أو ذو يديه قال أبو سعيد فحدثنى عشرة من صحابة النبى بمن أرتضى فى بيتى هذا أن عليا قال التمسوا إلى العلامة التى قال رسول الله فإنى لم أكذب ولم أكذب فجىء به فحمد الله على حين عرف علامة رسول الله/ الإبانة الكبرى لابن بطة : يا رسول الله ما علامتهم؟ قال: «سيماهم التحليق». فلما سمع عمر مسائله فيما لا يعنيه كشف رأسه، لينظر هل يرى العلامة التي قالها رسول الله والصفة التي وصفها، فلما لم يجدها، أحسن أدبه

[2] تلخيص كتاب الموضوعات : كَمَا قَالَ فِي الْخَوَارِج: سِيمَاهُمْ التحلق/ شرح النووي على مسلم : (سيماهم التحالق) .. وفي الرواية الأخرى التحلق/ الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم : والمراد بالتحالق حلق الرأس وفي الرواية الأخرى (التحلق)/ الآداب الشرعية والمنح المرعية : فذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخوارج «سيماهم التحلق، والتسبيت»

[3] السنة لعبد الله بن أحمد : سيماهم التحالق/ صحيح مسلم : سيماهم التحالق/ النهاية في غريب الحديث والأثر : ومنه حديث الخوارج «سيماهم التحالق» أي علامتهم.

[4] مصنف أبي شيبة : أتى رسول الله بدنانير فجعل يقسمها وعنده رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان، بين عينيه أثر السجود، .. ثم قال : يخرج عليكم رجال من قبل المشرق كأن هذا منهم هديهم هكذا ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، .. سيماهم التخلق.

[5]  المنتخب من ذيل المذيل: إن من بعدى من أمتى أو قال سيكون من أمتى قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه شرار الخلق والخليقة، قال سليمان وأكثر ظنى أنه قال سيماهم التخالق

[6]  جامع الأحاديث : والتسميت يعنى لهم سمت وخشوع/ الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي : والتسميت مأخوذ من السمت وهو القصد والاستقامة./ المحيط في اللغة : السمْتُ: فِعْلُ الخَيْرِ وحُسْنُ النَحْوِ/ النهاية في غريب الحديث والأثر : السمت، وهو الهيئة الحسنة/ معجم ديوان الأدب : ما أحسن سمته! أي: هديه

[7]  مصنف عبد الرزاق الصنعاني : قالوا: وما سمتهم؟ قال: «الحلق والسمت» قال: يعني يحلقون رءوسهم " والسمت: يعني لهم سمت وخشوع "/ جامع الأحاديث : قالوا أو ما سيمتهم قال الحلق والتسميت يعنى يحلقون رؤوسهم والتسميت يعنى لهم سمت وخشوع

[8]  مصنف عبد الرزاق وسنن أبي داود: فأقبل رجل غائر العينين/ البخاري: فقام رجل غائر العينين/فأقبل رجل غائر العينين/ مسلم: غائر العينين/فقام رجل غائر العينين/ النسائي: فجاء رجل .. غائر العينين/ فأقبل رجل غائر العينين/ أحمد: ثم أتاه رجل غائر العينين/ فأقبل رجل غائر العينين/ عمدة القاري: غائر الْعَينَيْنِ من غارت عينه إِذْ دخلت وَهُوَ ضد الجاحظ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: غائر الْعَينَيْنِ أَي: داخلتين فِي الرَّأْس لاصقتين بقعر الحدقة/ تصحيح الفصيح - ابن دُرُسْتَوَيْه (المتوفى: 347هـ): غارت عينه، إذا دخلت من الهزال أو الجوع أو المرض أو غير ذلك

[9] تهذيب اللغة : وحَلَّقَت عينُ الْبَعِير إِذا غَارت./ الجيم : حلَّقتْ عيون الإبل، إذا غارت./ المحيط في اللغة : وحَلَّقَ الماءُ قَلَصَ وغارَ.

[10]  الطبقات الكبرى والسنة لعبد الله بن أحمد: خرج محكم في زمان أصحاب رسول الله فخرج عليه بالسيوف رهط من أصحاب رسول الله

[11]  [الاشتقاق : حتى تلاقي في الكتيبة معلما ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال/ عمرو القنا، .. وكان من رؤساء الصفرية]/ العقد الفريد : حتى تعانق في الكتيبة معلما ... عمرو القنا وعبيدة بن هلال/ مصنف ابن أبي شيبة : وذكر ذا الثدية .. شيطان الردهة ... يقال له الأشهب أو ابن الأشهب علامة سوء في قوم ظلمة/ السنة لابن أبي عاصم : أن عليا قال: التمسوا لي العلامة التي قال رسول الله. فإني لم أكذب، ولن أكذب، فجيء بذي الثدية

[12] مصنف عبد الرزاق الصنعاني : فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم , أيديهم كأنها ثفن الإبل , ووجوههم معلمة من آثار السجود

[13] المعجم الكبير للطبراني : فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلبة من آثار السجود

[14]  سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني : أيديهم كأنها ثقر الإبل، ووجوههم معلنة من أثر السجود

[15]  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : أيديهم كأنها ثفن إبل، ووجوههم مقلبة من آثار السجود

[16] المعجم الأوسط :  لا يجاوز تراقيهم» ، ثم وضع يده على حلقه، فقال: «لا يجاوز هاهنا»

[17]  وقعة صفين وشرح نهج البلاغة: أخرج فيكم المحلقون؟ قلنا: لا. قال: إنهم سيخرجون، ألسنتهم أحلى من العسل


حامد العولقي