نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

درس عظيم من يوسف

 

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ  {24} يوسف

يوسف عليه السلام من عباد الله المخلصين، وكما وصفنه النسوة [إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} يوسف]، وهو أمين لا يخون [قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (23)} يوسف]، ولم يبدأ بالخطأ، ولم يراود المرأة. ومع ذلك صرّح القرآن أن يوسف عليه السلام  همّ بها (وهَمَّ بالشيءَ يهمُّ هَمّاً: نواه وأَرادَه وعزَم عليه/اللسان). فعلينا تدبر الآية العظيمة لكي لا نستهين بكيد النساء (جاذبيتهن وإغرائهن ومراودتهن وإغوائهن وحبائلهن).

 

كيد النساء عظيم

لمبلغ تأثير النساء على الرجال [زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء {14} آل عمران]، فرض القرآن عليهن الاحتشام في لبسهن وسلوكهن أمام الأجانب. وخلّد القرآن قول رجل حكيم من أهل المرأة [إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف]. وهذا نبي الله يوسف يعترف بضعفه أمام كيد النساء [وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ {33} فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ {34} يوسف]. فإذا علمنا أنه لن يبلغ أحد صبر وقوة وعزم وتقوى نبي، فهل يستطيع من ليس نبياً أن يقاوم كيدهن؟ هل اعتبر الذين يخدعون انفسهم ويزعمون أن خلوتهم بالأجنبيات لا يؤدي لضرر؟

  

ليس عيباً أن تهمّ بالحرام العيب أن تفعله

ليس العيب أن تهمّ (بفعل الحرام أو تشتهيه)، العيب أن [تعجز] عن [كبح] نفسك، [فتعطيها] ما همّت به واشتهته من الحرام. ويوسف عليه السلام بعد كيد المرأة وإغرائها، همّ بها كما نص القرآن، ولكنه لم يزنِ ولم يفعل ما همّ به. إذ مَنّ الله سبحانه على نبيه المُخلَص فصرفه عن المرأة بأن جعله يرى برهان ربه (لعل المعنى أنه شعر بقدوم سيده). ويوسف رغم عفته وطهارته، لم يبرّئ نفسه [وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ {53} يوسف]، وذلك لأنه ذو علم بالنفس البشرية [آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف].

درس عظيم من نبي عظيم (لا يكذب على نفسه كما نفعل)، وهو: أن لا يخدع المرء نفسه وليعرف حدودها وطاقتها وتحملها وضعفها [وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) النساء]، فلا يضعها في موضع تنهار فيه وتخور. فاصبر واحذر واستعن بالله (كما فعل يوسف) واستنر بكلامه [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم (30) النور/ ولا تقربوا الفواحش (151) الأنعام/ ولا تقربوا الزنا (32) الإسراء].

 

 حامد العولقي