هل القريتان عاصمتا فارس والروم؟
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (31)
سورة الزخرف
لم
يكن في نظر عرب الجاهلية أعظم وأعزّ وأقوى وأكبر من
المدائن والقسطنطينية عاصمتي الفرس والروم. وكانت قبائل عربية
تخضع للغساسنة والمناذرة الخاضعين
لفارس والروم.
وامتد نفوذ
الروم
بشمال جزيرة العرب وامتد نفوذ
فارس
بشرقها وعمان واليمن.
وذكرت
روايات أن كفار قريش قرنوا ساخرين بين أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام وبين
كسرى وقيصر،
مما يؤيد أن أحدهما كان المقصود بعظيم القريتين.
اقتران فارس والروم يشبه اقتران القريتين
فارس والروم في التراث العربي يظهران كتوأم
قلما يُذكر أحدهما دون الآخر. فعادة ما نقرأ عبارة (كسرى
وقيصر)
أو عبارة (فارس والروم)، دون انفصال كأنهما وجها عملة واحدة.
فلا يكاد يذكر كسرى إلا ومعه قيصر، ولا فارس إلا ومعها الروم،
هذا غير مجيئهما بنفس العبارة أو الخبر. وقرن القرآن بين فارس والروم.
وبتفسير أن القوم أولي البأس الشديد هما فارس والروم. وعبّرت الأحاديث عن
(الكنزين) أنهما خزائن فارس والروم.
فهذا الاقتران الطبيعي بين فارس والروم
يتناسب كثيراً مع كلمة (القريتين) بالآية.
ويجوز إطلاق لفظ القرية على عاصمة فارس أو الروم، كما بسيرة ابن هشام
(فأجابه حسان بن ثابت: فلا تك كالوسنان يحلم أنه
بقرية كسرى أو
بقرية قيصرا).
ضعف احتمال أن القريتين مكة أو الطائف
قريش تعرف حجمها وتدرك أن العرب لن يتبعوا عظيماً من مكة أو الطائف
[وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا
(57) القصص]. وعجزت قريش وعظماؤها عن مواجهة جيش أبرهه وعجزت الطائف.
وحركات الردة بأرجاء الجزيرة والمتنبئين وسخط ربيعة وربما الخوارج، عبرت عن
مدى الاستكبار وكراهية الانقياد. وأهل مكة يعلمون أن هذا القرآن
للعالمين،
فظنّوا أن لا طاقة لهم بعبء الرسالة، وأنه لا تنهض بها إلا دولة عظمى
(كفارس أو الروم). وتفسير (مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ) أنه (من
مكة
والطائف)، فيه ضعف، لأن كفار قريش علموا سلفاً أن
الله قد اختار (من مكة). واضطربت الروايات في تحديد
عظيم مكة والطائف.
لماذا اعتقدت التفاسير أن القريتين مكة والطائف؟
ربما اُعتبر لفظ القريتين من معنى
القرب المكاني. وربما اُستبعدت قرى العجم لأجل عبارة [هَذَا الْقُرْآنُ
(31) الزخرف]. وربما اُعتبرت القرية لا تدل على مدينة كبرى. وربما تأثر
تفسير القريتين بزمن أقوى رجلين في العالم: القرشي عبد الملك، والثقفي
الحجاج.
حامد العولقي