هل اسم الحَرورية من قرية حروراء؟
الموضوع باختصار...
شاع في التاريخ الإسلامي أن
الحروري
(الخارجي) سمي بذلك نسبة لقرية
حروراء بالعراق.
ولكن يبدو أن الحروري سمي بذلك نسبة إلى فعله وعمله ومبدأه، وهو
التحرر والحرية والتحرير وما
شابه. فالخارجي إما أنه تحرر من
جماعة المسلمين (خرج عنهم)، أو
تحرر من طاعة الخليفة
(خرج عليه)، أو كما رأى أراد
تحرير الحكم لله وحده
(لا حكم إلا لله) أي تخليصه
وتنقيته من حكم الرجال، أو أنه كما رأى
تحرر لله (أخلص نفسه لله وحده
فلا يدين لحاكم غيره).
وكلمة الحرورية
(بفتح الحاء) هي
الحرية. وكأن معنى الحروري: الذي
حرّر الحكم لله (خلصه ونقّاه من غيره)،
أو الذي تحرر من حكم الرجال. ونجد فعل
حرّر في عبارة شهيرة [أول من
حرّر الحرورية]. وكما قيل [كل صاحب بدعة
حروري]، أي كأن بدعته
حررته من التقيد بالآثار والسنن.
فلعل الخوارج سُمّوا (حرورية) من
فعل فعلوه (حرّر)، وهذا مثل
تسميتهم (محكّمة) لأنهم حكّموا، أو (خوارج) لأنهم خرجوا، أو (شُراة)
لأنهم شروا، أو (مارقة) لأنهم (مرقوا)، وهكذا.
لماذا الخارجي حروري؟
التفسير المعروف
لأن الخوارج زمن الخليفة علي بن أبي طالب (بعد أن خرجوا عليه)، اعتزلوا وتجمّعوا في قرية حَروراء (بالكوفة أو قربها)، فنسبهم الناس إليها فسموهم (حرورية). ثم بعد ذلك أصبح اسم (الحَروري) يُطلق على الخارجي عموماً.
تفسير آخر
قد يكون التفسير المعروف صحيحاً. ولكن لعل الخوارج تسموا بالحرورية أو بالحروريين من هذا الاحتمال التالي:
كلمة (الحَرورية) بالفتح، تأتي لغة بمعنى
الحُريّة
[المغرب في ترتيب
المعرب: الحَرورية اسم بمعنى
الحرية /تاج العروس: رجلٌ
حُرٌّ بَيِّنُ
الحَرُورِيَّةِ]. ولذلك فإن كلمة (حَروري)، قد تكون
من معنى الحُريّة
والتحرر (الانعتاق وعدم التقيد والالتزام).
فلعل الخوارج سُمّوا بالحرورية، ربما لأنهم تحرروا من طاعة السلطان
[الخارجي الأول من ينْسب إِلَى الْخُرُوج
على السُّلْطَان/ المؤتلف والمختلف] واستقالوه البيعة وخلعوا الطاعة
[فقال علي: إن هؤلاء يقولون:
لا
إمرة/
أنساب الأشراف]. كأن الحرورية
حرروا أنفسهم
(عتقوها) من طاعة الخليفة
(الذي يخالفهم)، فخلعوا من أعناقهم بيعته
[الخوارج حيث قَالُوا لعلي: قد
خلعناك/
أنساب الأشراف للبلاذري]. فالحروري لا طاعة للخليفة عليه
(تحرر من
طاعة الخليفة) كنفس معنى الخارجي (خرج من طاعة الخليفة أو خرج عليه).
فلعل المعنى الأصلي الأول لاسم الحرورية، هو فكرة
تحررهم
(استقلالهم
وانعتاقهم) عن سلطة الخلافة. لكن بعد زمن وبعد شيوع اسم الحروري بين الناس،
فهم العوام أن الحرورية ينتسبون إلى أرض على اسمهم. فبلدة حرورى هذه، قد
تكون رمزية مخترعة تمثل نفس فكرة الحرورية: كأن تكون مثلاً بمعنى "أرض
الاستقلال والتحرر والانفصال" من سلطان الخليفة (الأرض التي تحرروا فيها أو
إليها)، كأنها (أرض الذين تحرروا=أرض الحرية= حرورا)، أو كأنها بمعنى صحراء
وبريّة [وفي المثل: البريِّة حرِّية/
تكملة المعاجم العربية] وبادية
(أي
صحراء الكوفة وظاهرها) كأنها بلاد أعراب وتعرب، حُرّة خارجة عن نفوذ
السلطان فلا يطالها. وكأن أي أرض يتواجد فيها الخوارج، هي حروراء
(أرض
تحرروا فيها). أو كاحتمال ضعيف أنها قرية موجودة، ثم فقط تشابه اسمها مع
اسم الحرورية (لكن لا علاقة لهم بها).
هذا الالتباس في أصل الاسم وارد [تاج العروس :
الحَرِيرِيُّ صاحبُ
المَقَاماتِ، أَحَدُ أَحْدادِه منسوبٌ إِلى نِسْجِ الحَرِيرِ، ... وغَلِط
شيخُنَا فَنَسَبَه إِلى الحَرِيرَةِ: مِن قُرَى البَصْرَةِ]. فكما نُسِبَ
الحريري (الذي من نسج الحرير) خطأ إلى قرية الحريرة، كذلك نُسِبَ الخارجي
الحروري (الذي من التحرر) خطأ إلى
قرية حرورى.
فقد تكون قرية حروراء، هي المستحدثة من اسم الحرورية
(الخوارج)، وليس
العكس. فلعل المسلمين سمّوا الخارجي بالحروري (بمعنى:
حر عتيق متمرد
إنفصالي إنشقاقي)، لأنه تحرر ونزع يده من طاعة وسلطة الخليفة
(خرج عليه
وعصاه ولم يطعه) [حروري تطعن في
السلطان/ عقلاء المجانين] وتحرر وخلص من
جماعة المسلمين (فارق الجماعة) أو كما قيل (مرق من الدين) أي خرج
(تحرر)
منه [حروري من الدين مارق/
تاريخ الطبري]. فالحروري بتحرره من سلطان
الخليفة (الذي لا يرضونه) وبتحرره من جماعة المسلمين، أصبح كأنه من الأعراب
أو البرابرة الوحشيين الذين يتواجدون خارج مناطق نفوذ القانون
(تحرروا
منه). لكن بعد ذلك بزمن ظن الناس أن تسمية الحروري
(الخارجي)، من موضع
حروراء.
وهناك عبارة فريدة تربط اسم الحرورية بفعل حرر [أول من
حرر الحرورية/ تاريخ
خليفة]، وهذا قد لا يؤيد أن أصل كلمة الحرورية (الخوارج) هو المكان
(حرورا). فالفعل (حرّر) في العبارة السابقة، قد يدل أنه أصل تسمية
الحرورية، وأنها من فعل فعلوه (فعل حرّر). فلعل الحرورية، من أنهم
تحرروا
(=خرجوا وخلصوا) من جماعة المسلمين
(أي خرجوا على الجماعة وعلى الخليفة
وعلى الأثر والسنة، وعلى النظام، ...) فلا يلتزمون ولا يتقيدون بما التزم
وتقيد به غيرهم من عامة المسلمين. ولعله لمثل ذلك قيل
[كل صاحب بدعة حروري/
الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني]، أي كأن المبتدع متحرر خارجي متمرد منشق
غير متقيد (لا يلتزم بالآثار ولا بالضوابط وتحرر من الجماعة وفارقهم
ببدعته). كما سماهم بعضهم بالفاسقين المارقين
(من معنى التحرر والخروج
والانفلات من التبعية). كما قد تُفْهَمُ عبارة (أحرورية أنتِ؟)، أن الحروري
(متحرر) من الآثار والسنن [لست بسبائي، ولا
حروري، فافتقر
الأثر/ مصنف ابن
أبي شيبة]،[من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد
ما زاد عليه من الحديث مطلقا/
فتح الباري].
وقد فُسّرَ فعل (حرّر) في العبارة [حرر الحرورية]، بمعنى (حكّم)، أي [إذا
خرج فقال: لا حكم إلا لله/تاريخ
الإسلام]. فكأن الحروري بقوله (لا حكم إلا لله)، ربما كان
يقصد أنه (يتحرر من حكم الرجال) أو أنه (تحرر لله) أي أفرد وأخلص نفسه لله
(فلا يريد أن يشرك مع الله حكم الرجال)
أو أنه يحرّر (الحكم) لله. فقد يكون
معنى (حروري) أنه (تحرر) من حكم الرجال أو أنه أراد تحرير الحكم لله، من
خلال تخليصه وتنقيته من حكم الرجال [يا علي
أشركت في دين الله
الرجال ولا حكم إلا لله/
البداية والنهاية]،
[يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك/ تاريخ الطبري]، [وفي الذي بعده الذي
حكم في دين الله
الرجال/ الكامل في اللغة والأدب]، [لا
حكومة الناس/ الإمامة والسياسة]،
[والبيعة لله/ السيرة النبوية
وأخبار الخلفاء لابن حبان]، [لا إمرة ...
لا حاجة إلى الامام/
شرح نهج البلاغة]،
[وكالخوارج نفوا تحكيم الرجال
وقالوا: لا حكم إلا لله/ تفسير
النيسابوري]. فلعله من خلال هذه الرؤية التي رآها
الخارجي واعتقد بها، سمّاه المسلمون باسم (حروري). وكأن معنى الحروري:
(الذي حرّر الحكم لله، أي خلصه ونقّاه من غيره) أو (الذي تحرر وخلص من حكم
الرجال)، وهو نفس معنى شعار الخوارج الشهير (لا حكم إلا لله). والمسلمون
متفقون على هذا الأمر [إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (57) الأنعام، (67)
يوسف]، ولكن اختلفوا مع الخوارج في فهمه ومراده وتطبيقه.
وهناك روايتان لم يعلم الرواة فيهما أن الحروري يفترض أن يخرج من قرية
حروراء في زمن الخليفة علي. فذكروا أن كلمة (حروري) استعملت في زمن الخليفة
عمر [فقال عمر : أحروري/
الأسامي والكنى] ثم في زمن الخليفة عثمان
[وقالوا
حروري فسجنه الوليد وكتب بذلك إلى
عثمان/
المحن - أبو العرب].
وفي رواية أسطورية سُمّيت جنية باسم الحرورى أو الحرور، وهذا قد يتضمن معنى
(غير الإنس) أو معنى الوحشة أو الصحراء أو حرّها
[ومنهم شبيب بن نُعَيم الحروريُّ: يُكنَّى
أبا الصحاري/
الجوهرة في نسب النبي]، وقد يكون اسم تلك
الجنية (الحرورى، الحرور) من نفس الأصل اللغوي لمعنى الحرورية
(الخوارج).
فالحرورية الذين تحرروا عن بقية المسلمين، كأنهم تعربوا كالأعراب
(نفروا من
الحضارة والقرى) أو استوحشوا كالجن عن الإنس
(عموم المسلمين)، أي أنهم
هجروا القرى والمدن أو قوانينها وسكنوا خارجها أو خارج نفوذها
(رافضين
الخضوع للخليفة الذي لا يرضونه). فالحروري
(الذي فارق جماعة المسلمين) قد
يكون بمعنى يشبه معنى الأعرابي (الذي فارق أهل القرية) والوحشي.
من ناحية أخرى فإن هذه الجنية (الحرور أو الحرورى)، هي أيضاً
غزالة
بالأسطورة، فهل هي مصادفة أن يتشابه اسم (الغزالة الحرور) أو (الغزالة
الحرورى) امرأة ملك سبأ مع (غزالة الحرورية) امرأة أمير الخوارج
(وقيل أمه)
التي فرّ منها الحجاج. والغزالة حيوان صحراوي وحشي، تنفر من الناس وتسكن
الصحراء، وكذلك الخارجي الحروري، كأنه مرق ونفر واستوحش من جماعة المسلمين
وفارقهم فسكن خارج مواطن الحضر كالأعرابي، وكذلك الجن يسكنون الخرب
والأماكن المهجورة الخالية المقفرة الموحشة. وقصر ملك سبأ بنته الجن في
الصحراء، وشبيب زوج غزالة كنيته أبو الصحاري.
كما نلاحظ تشابه عبارتين: الأولى [رجلٌ حُرٌّ بَيِّنُ
الحَرُورِيَّةِ] فيها
كلمة (حُرّ) وفيها (الحَرورية) بمعنى الحرية، والأخرى [هُوَ -
حَرُورِيٌّ
بَيِّنُ الحَرُورِيَّةِ، يَنْتَسِبُون إِلى هاذه القريَةِ/
تاج العروس]
فيها كلمة (حروري) وفيها (الحَرورية) ليس بمعنى الخوارج وإنما بمعنى
الخروج. فكلمة
الحرورية، تعني
الحرية وتعني
الخروج. وهذا قد يؤيد أن معنى
(الحَروري) يشبه معنى (الحُرّ)، أو أن (حَرورية) الحروري الخارجي تشبه
(حَرورية) الرجل الحُرّ. فيبدو أن كلمة الحَرورية
(التي سمّي بها الخوارج)،
من أصل التحرر من جماعة المسلمين وعدم الالتزام وعدم التقيد بأمورهم
وشئونهم [الْحُرِّيَّةُ" هِىَ أَيْضًا بِمَعْنَى
الخالِصِ مِنْ كْلِّ شيء،
.. وَالْحَرورِيَّةُ، أَيْضًا، بِالْفَتْحِ. .. فَكأَنَّهُ
خالِصٌ مِنْ رِقِّ العُبودِيَّة/
النظم المستعذب]. وكذلك الحروري كأنه
خالص من التقيد
والطاعة وأمر الجماعة، قد تحرر منها وخرج
[يخرجون من الحق خروج السهم- أو مروق السهم-/أنساب
الأشراف].
كما أطلقوا على الحرورية اسم (الحروراء)، أو (حرورا)، وهذا قد يزيد اللبس
في معنى الحروراء كاسم مكان. وهناك قصة تبدو خيالية لشخص اسمه (ابن الحر)
وكأن اسمه بمعنى حروري تحرر من طاعة الأمراء
[لا يعطي الأمراء طاعة/ أنساب
الأشراف].
وكلمة الحَرورية (التي تعني الحرية)، لعله يجوز لغة أن تُستعمل أيضاً بمعنى
(الحروريين). فكلمة (الحرية)، جاز لغة أن تُستعمل أيضاً بمعنى
الأحرار
[المغرب في ترتيب المعرب : يقال لجماعة الأحرار حرية/ تاج العروس :
الحرية
من العرب أشرافهم]. فيبدو أن الخوارج سُمّوا (حرورية) من فعل فعلوه (حرّر)،
وهذا مثل تسميتهم (محكّمة) لأنهم حكّموا، أو (خوارج) لأنهم خرجوا، أو
(شُراة) لأنهم شروا، أو (مارقة) لأنهم (مرقوا)، وهكذا.
ملاحظة: جاءت في نقوش الرها (قبل الإسلام، من عهد الأباجرة وهم ملوك عرب)
نقوش أرامية فيها لفظ (حرور) بمعنى تحرير، مثل [وبشنة تلتين وحدأ دحروريه
دانطونيأ أدسأ/ بشنة تلتين دحرورأ دأنطونينأ أديسأ]*، وهذا التحرير يقصد به
تحرير مدينة الرها (أديسا). ونلاحظ تشابه الكلمة الأرامية (حروريه/حرورأ)
مع الكلمة العربية (حرورية). * المصدر: Page 11 , The Canadian Society for
Syriac Studies JOURNAL Volume 6 2006
حامد العولقي
نسخة pdf أكثر تفصيلاً لموضوع معنى الحرورية