لماذا شعرات السبع على ذي الثُديّة؟
ذكرت الروايات أن على يد رئيس الخوارج أو على ثديه أو على حلمة الثدي
شعرات أو شعيرات طوال عقف. وقد ذكرت الروايات هذه الشعرات بأوصاف
متنوعة مثل:
(شعرات بيض)، (شعيرات سود)، (سبلات السنور). (شعرات كأنها سبلة سبع). (سَبْع هُلْبَات). (شعيرات/ شعرات طوال عقف). (شعيرات كأنهن ذنب يربوع). (شعيرات مثل سبالة السنور). (شعر كشعر شارب السنور). (خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقفة). (شعيرات كأنها كَلَبَةُ كلب أو كَلَبَةُ سنور). (شعرات مثل فم الكلب).
وهذا الشعر ليس آدمياً، بل شعر حيواني قاسي قوي خشن غليظ، كالذي ينبت حول فم القط والكلب والأسد والسباع عموماً.
ولكن كيف يكون إنسان بهذا الوصف؟ لماذا جعلت الآثار كبير الخوارج تخرج من يده أو ثديه أو حلمته شعرات طوال معقوفة (كأنها ذنب يربوع أو سبلات سنور أو سبلة سبع أو شارب قط أو كلبة كلب)؟ ثم لماذا الشعرات طوال عقف؟ فلماذا تؤكد الروايات على وجود هذه الشعرات الحيوانية الغريبة في يد ورجل وثدي الخارجي؟
السبب أن الروايات اعتبرت الخوارج كلاباً ضارية كما في مثل هذه العبارات التي تصف الخوارج:
[كلاب النار كلاب النار]، [فجيء بهم كما يجاء بالكلاب]، [كلاب جهنم] ، [الخوارج كلاب النار] ، [ضَع سَيفك في كلاب النّار] ، [هذه الأكلب من الشراة]، [نادى بالخوارج ... يا كلاب النـار].
أحد الأسباب لهذه الشعرات الحيوانية على ثدي كبير الخوارج هو أن
الروايات تريد أن تقول أن الخارجي كأنه مكلوب مصاب بداء الكَلَب أو
السُعار، فأصبح كالكلب العقور.
أو أن الخارجي لم يعد إنساناً فيه رحمة، فأصبح بعد أن أغواه الشيطان
كالكلب (كل وحش ضاري مفترس عادي). وجعلت الروايات
علامة تلك الوحشية
والقسوة، هي الشعرات الطوال المعقوفات التي نبتت على ثدي شيخ الخوارج
ويده، والتي شُبّهت أنها كشعرات السنور والكلب والسبع وذنب اليربوع.
بالإضافة إلى المعنى السابق، نجد أن الخوارج اشتهروا في قتالهم بالشراسة والشدة والبأس وقوة الالتحام والصبر في اللقاء. فوصفهم خصومهم بما يفيد هذه المعاني بجذر (كَلَبَ) الذي فيه معنى الملازمة والتعلق والإلحاح والحرص والضراوة..الخ [الفتوح لابن أعثم : كيف رأيتم حرب الأزارقة؟ فقالوا: ... فو الله ما رأينا أشد كلبا على الإسلام من هؤلاء الخوارج/ وكلبت الأزارقة على المسلمين فاشتد القتال/ وكلبت القوم بعضهم على بعض]. وبالتالي لعل الروايات عبرت عن هذا الكلب في القتال بمثل [شعيرات كأنها كَلَبَةُ كلب أو كَلَبَةُ سنور].
كذلك قول روايات أن كبير الخوارج من الجن أو من نسلهم. والجني كما بالروايات، له يد كلب وشعر كلب.
وطبعاً تلك الشعرات والسبلات والهلبات التي على يد الخارجي ليست على الحقيقة كما تزعم الروايات، وإنما مجرد كناية تجسيدية، بمعنى أن الخوارج كلاب مسعورة ضارية شرسة. وذلك في محاولة تفسير سبب فتك الخوارج الجنوني بخصومهم. فأرادت الروايات تفسير شدة قتال الخوارج بأنهم كلاب مجنونة مصابة بداء الكَلَب، أو أنهم سباع مفترسة أو أنهم تلبستهم شياطين الجن أو أن كبيرهم من الجان. ثم جعلت الشعرات والسبلات علامة جسدية تدل على كَلَب وسعار الخوارج بسبب تلك الأمور.
الروايات جعلت الشعيرات والسبلات حقيقة مادية حسية ملموسة يراها الناس بعيونهم في يد وثدي الخارجي. فتصحّف المعنى القديم الذي كان بالأصول الأولى (وهو معنى أن الخارجي كالكلب المريض المسعور مصاب بداء الكلب أو سبع ضاري أو أغواه الشيطان) إلى معنى جديد آخر وهو أن الخارجي قد تحوّلت خلقته الجسمية إلى شبه كلب عقور فظهرت على رجله ويده وحلمته سبلات وهلبات كالتي على فم الحيوان كفم القط والكلب والسبع وذيل اليربوع. بل أن السعار والكلب قد استفحل في الخارجي حتى طالت تلك الشعرات والسبلات جداً، وهذا سبب وصفها أنها معقوفة. فلولا انعقافها لظهر طولها البالغ الذي هو مقياس مدى السعار. فهذا الشعر الحيواني تجسيد مادي لتوضيح صفات الشدة والشراسة والضراوة في القتال التي وصف بها الخوارج.
حامد العولقي