لماذا
ذو
الثُديّة
حبشي أسود؟
الموضوع باختصار ...
الأصل وصف الروايات للخارجي أنه كثير التعبد والصلاة. والذي يصلي كثيراً تصفه الروايات بأن مواضع جسده (التي تحتك بالأرض أثناء سجوده) تسودّ (تكون سوداء). ثم بالغت الروايات في وصف هذا السواد المنحصر في عضو السجود فعمّمته على كل جسد الخارجي فأصبح رجلاً أسود أو حبشياً. ومن ناحية أخرى جسّدت الروايات إبليس بصورة شيخ الخوارج، ولون الشيطان السواد والظلمة، ولذلك يوصف أصل الخوارج أو شيخهم بأنه أسود.
ذو الثدية الحبشي الأسود
روايات وصفت ذا الثدية أنه حبشي:
(وَهُوَ حبشِي)، (فكأني أنظر إليه حبشيا)،
(فإذا هم بحبشي)، (حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ ثَدْيٌ)، (فَكَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَيْهِ حَبَشِيٌّ)، (حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ ثَدْيٌ قَدْ طَبَّقَ).
وأخرى وصفته أنه أسود: (الأسود ذو الثدية)، (أسود طويل مشمر محلوق الرأس)، (سيماهم أن منهم رجلا أسود)، (آيَةَ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا أَسْوَدَ)، (يؤمهم رجل أسود له ثدي كثدي المراة).
ماذا أراد الرواة من قولهم أن ذا الثدية حبشي أسود؟
قد يصف الرواة شدة اجتهاد الإنسان
في العبادة بأن مواضع السجود من جسمه قد اسودّت
(لكثرة صلاته وسجوده)،
وكذلك وصفوا شدة اجتهاد الخارجي في صلاته
(أو
كبيرهم
ذي الثدية).
ثم تصحفت المبالغات عن (سواد) أعضاء جسم الخارجي حتى أصبح حبشياً أسود.
كما عبر الرواة عن مبلغ اجتهاد الخارجي في الصلاة بصورة
انتفاخ وتورم وتغلظ مواضع السجود من بدنه.
ثم جعلوا الانتفاخ كثفن الإبل والمعز أو
ركبهما. ومعروف أن اللحمة الغليظة بالمرفق
[من الإنسان، أو التي بالإبل (الثفنة)]، تكون
داكنة أو
سوداء. كما شبهوا تغلظ لحمة مرفق
الخارجي بثدي أو حلمة امرأة
(والحلمة عادة ما تكون داكنة أو
سوداء). ثم وصفوا
سواد ذلك الانتفاخ والتورم في المرفق وغيره
(الذي شبهوه بالحلمة والثدي)
فقالوا إنه كثدي حبشية.
فالمقصود من السواد أو اللون الحبشي هو وصف مبلغ اجتهاد الخارجي في
صلاته.
ولكن الرواة عبروا
(عن هذا الاجتهاد في العبادة)
بصورة حسّية تراها العين، فقالوا أن الخارجي
اسودت أعضاء السجود من جسمه
(لكثرة صلاته).
فكأن الرواة رأوا أن الخارجي المشهور بكثرة صلاته وعبادته
ينبغي أن يكون بدنه معلّماً بالسواد
(ثفنات جبهته ويديه ورجليه).
وأنه ينبغي أن نراه وقد انتفخت وتورمت وغلظت
جداً مواقع السجود من جسمه
(من جراء كثرة صلاته وسجوده).
ولذلك قال الرواة أنها تضخمت واسودّت
حتى صارت كثفنات البعير السوداء وكركب المعزى
وكالثدي والحلمة السوداء
(ثدي حبشية).
واستمرت المبالغات والتصحيفات حتى أصبح الخارجي
(ممثلاً
برئيس الخوارج ذي الثدية)،
حبشياً أسود.
(2) اسوداده لأنه شيطان خبيث من مردة الجن
اعتقد عديد من الرواة أن إبليس
(أو غيره من الجن)،
تجسدوا بصورة بشرية. والشيطان لونه السواد
والظلمة، ورأس الخوارج ذو الثُّدَيَّة حبشي أسود شديد السواد
(وكان أسود شديد السواد، له ريح منتنة/
البداية والنهاية).
وهذا يبدو
تلميحاً أن ذا الثُّدَيَّة من الجن
(من خلال شدة سواده ونتنه).
وذكرت روايات أن ذا الثُّدَيَّة لم يعرفه أحد ولا أباه، ولا رأوه قبل
مصرعه. وحتى والدته لم تدرِ ما هو ولا تعرف أباه. وكل هذه إشارات أن ذا
الثدية من الجن، بل صرحوا أنه
من الجن.
وفي رواية أن ذا الثُّدَيَّة كان عابداً مجتهداً ولكن لم يعرفه الرسول عليه
الصلاة والسلام، فكأن الراوي يلمّح أن ذا الثدية إبليس
(تمثّل بصورة عابد مجتهد).
ووصفته روايات أنه شيطان.
(3) سواده لسواد فعله وعداوته
(رَجُلٌ أَسْوَدُ.. وَارِدٌ عَلَى الذَّمِّ
وَالشَّتْمِ ; لِأَنَّ دَمَامَةَ الصُّورَةِ
تَدُلُّ عَلَى خَبَاثَةِ السَّرِيرَةِ/
مرقاة المفاتيح).
لذلك وصموا هؤلاء الخوارج بالسواد
عمران
بن حطان الخارجي كان شديد السواد. شبيب
الخارجي فؤاده أسود كالحجر. أبو ليلى
الخارجي أسود وكنيته كنية إبليس. سواد الخارجي
ابن ملجم. الحميت الأسود ابن السوداء
عبد الله بن سبأ قائد الذين خرجوا على عثمان.
الفتية الدلم رؤوس فتنة الخروج على
عثمان. سواد أسماء قتلة عثمان الذين
خرجوا عليه. سواد الذي خرج على الحسين. سواد
مسيلمة الكذاب الذي خرج على المسلمين (جمل أورق أي لونه مثل الرماد
.. كان ذلك من سواد كفره/
عمدة القاري).
وقد تكون تسمية الخوارج الأزارقة
ورمزهم ابن الأزرق، تبعاً لمعنى الشيطان أو قبح الفعل والإجرام.