سامراً تهجرون
الموضوع باختصار ...
الآية تخاطب الكفّار: (مستكبرين به) أي بالقرآن، بمعنى تستكبرون عن سماعه (تعرضون عنه). (سامراً تهجرون)، أي دائماً وأبداً تهجرون القرآن (مستمرين في هجره وتركه والإعراض عنه).
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون
تفسير الجمهور
(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ): مستكبرين ببيت الله
(الكعبة)، أي كانوا يتفاخرون بالبيت الحرام على الناس.
(سَامِرًا): من السمر حول الكعبة (الحديث بالليل).
(تَهْجُرُونَ): من الهجر (الترك)
أو الهجر (الحديث الفاحش أو الهذيان).
(يرجى مراجعة التفاسير لمزيد من التفصيل).
احتمال آخر
ولكن قد يكون معنى الآية كالتالي:
(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) أي
بالقرآن، بمعنى أن كفار قريش
يتكبرون على كلام
الله فلا يسمعونه ولا يؤمنون به.
(سَامِرًا تَهْجُرُونَ) أي أنهم
مستمرون دائمون على هجر القرآن (تركه).
مستكبرين به، أي بالقرآن
الشائع في الكلام أن يستخدم حرف (على) فيقال مثلاً (استكبر زيد على عمرو)، وأما استعمال حرف (الباء) مثل (استكبر زيد بماله) أو (استكبر زيد بمقامه ومركزه)، فعادة يأتي بمعنى تفاخر وتعظّم بذلك. ولذلك لم ير جمهور المفسرين أن معنى (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) تعني مستكبرين بالقرآن، لأن الذي يستكبر بالشيء فهو عادة يتعظّم به ويتفاخر (وكيف يتفاخر كفار قريش بالقرآن وهم يكفرون به). ولذلك ظن المفسرون أن كفارَ قريش كانوا مستكبرين بشيء آخر كالبيت الحرام (أي متفاخرين ومتعظمين به)، رغم أن الآيات لم تشر للبيت الحرام من قريب أو بعيد.
ومع ذلك أدرك بعض المفسرين أن المعنى هو (مستكبرين
بالقرآن) بمعنى عنه أو
عليه:
(مستكبرين بالكتاب لا يؤمنون به/إعراب
القرآن للزجاج)، (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ...
بكتابي الذي عبر عنه بآياتي/تفسير
أبي السعود)، (مستكبرين به أي
بالقرآن/حجة
القراءات - ابن زنجلة)، (مستكبرين به قال :
بالقرآن/الدر
المنثور – السيوطي)، (الضمير
عائد على القرآن/تفسير
القرطبي وتفسير الثعالبي)، (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ، الظاهر أن الضمير
للقرآن/البحر
المديد في تفسير القرآن المجيد)، (مُسْتَكْبرينَ بِهِ ... أي
عنه يعني عن القرآن/قوت
القلوب - أبو طالب المكي)،
(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ... ويجوز أن يرجع الضمير الى
آياتِي/الموسوعة
القرآنية).
سَامِرًا
لعل فهم الجمهور لمعنى (سَامِرًا)، أنه من السمر والتحدث ليلاً، قد جعلهم
يفترضون أن كفار قريش يسمرون ليلاً عند بيت الله. ولعل هذا سبب آخر لظن
المفسرين أن الآيات تضمر الحديث عن بيت الله رغم أن الآيات لا تذكره ولا
تشير اليه [تفسير الشعراوي : ومعنى
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ .. الهاء في (به) ضمير مُبْهم، يُعرَّف بمرجعه، كما
تقول: جاءني رجل فأكرمته، فالذي أزال إبهام الهاء مرجعه إلى رجل. وفي الآية
لم يتقدم اسم يعود عليه الضمير، لكن الكلام هنا عن
الرسول الذي أُرسل إليهم،
والقرآن الذي أُنزل
عليهم معجزة ومنهاجاً، إذن: لا يعود الضمير إلا إلى واحد منهما]
ولكن لعله يوجد احتمال آخر، وهو أن كلمة (سَامِرًا) التي بالآيات قد لا
تعني السمر المعروف (الجلوس ليلاً للتحدث). فربما أرادت الآية معنى آخر
له
علاقة بالاستمرار والبقاء وطول المدة والثبات والدوام على نفس الحال. أي أن
كفار قريش كانوا دائمين مستمرين في هجر وترك القرآن لا يسمعونه ولا يؤمنون
به. وجذر سمر في اللغة قد يحتمل هذا المعنى حيث يكون أيضاً بمعنى
الدهر
(الوقت والزمان والأبد والأمد). فلعل المعنى أن كفار قريش كانوا (دهراً
وأبداً ودوماً) يهجرون القرآن. فلعل معنى [(سَامِرًا) تَهْجُرُونَ] هو أنكم
(زماناً مليّاً طويلاً مديداً مستمراً) تهجرون القرآن (تعرضون عنه).
وهذه شواهد لغوية قد تؤيد هذا المعنى حيث جذر سمر يستعمل بمعنى (طول
الزمان):
تاج العروس: والسَّمَرُ: الدَّهْرُ ... كالسَّمِيرِ ... فُلانٌ عندَه
السَّمَر، أَي الدَّهْر ... ... ويقال: لا أَفْعَلُه، أَو: لا آتِيكَ ما
سَمَرَ السَّمِيرُ، وما سَمَرَ ابنُ سَمِيرٍ، وما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ،
قيل: هو الدَّهْرُ، وابناه: اللّيْلُ والنّهارُ، ... يُقَال: ما أَسْمَرَ
السَّمِيرُ وابنُ سَمِيرٍ وابْنا سَمِير، أَي ما اخْتَلَفَ اللَّيْلُ
والنَّهَارُ، والمعنَى، أَي الدَّهْر كلّه
تهذيب اللغة: وَلَا آتِيك السمَرَ والقَمَر، أَي: لَا آتِيك
دَوامَهما.
وَالْمعْنَى لَا آتِيك أبدا/ وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: السميرُ:
الدهرُ.
ديوان الأدب - الفارابي: ويُقالُ: لا أَفْعَلُ ذلك ما سَمَرَ ابْنا سَمير،
أَي: أبداً. وقالوا: سَمير:
الدَّهْرُ
اللسان: والسَّمَرُ الدَّهْرُ وفلانٌ عند فلان السَّمَرَ أَي
الدَّهْرَ
والسَّمِيرُ الدَّهْرُ أَيضاً ... ولا أَفعله سَمِيرَ الليالي أَي
آخرها
... ولا آتيك ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ أَي الدهرَ كُلَّه وما سَمَرَ ابنُ
سَمِيرٍ وما سَمَرَ السَّمِيرُ ...وقيل هو الدهر
غريب الحديث لابن قتيبة: وَلَا أَفعلهُ مَا سمر ابْنا سمير وَلَا آتِيك
سمير اللَّيَالِي. هَذَا كُله معنى قَوْلك: لَا أفعل ذَلِك
أبدا.
معجم ديوان الأدب: ويُقالُ: لا أَفْعَلُ ذلك ما سَمَرَ ابْنا سَمير، أَي:
أبداً.
المحكم والمحيط الأعظم: وفلانٌ عند فلانٍ السَّمَرَ أي
الدَّهْرَ
النهاية في غريب الحديث والأثر: «لا أطور به ما سمر سمير» أي
أبدا.
والسمير: الدهر. ويقال فيه: لا أفعله ما سمر ابنا سمير، وابناه: الليل
والنهار: أي لا أفعله ما بقي الدهر.
شرح نهج البلاغة - ابن ابي الحديد : و قوله ما سمر سمير يعني الدهر أي ما
أقام الدهر و ما بقي ... و لا أفعله سمير الليالي أي
أبدا
زاد المسير في علم التفسير :سمير الليالي: أبَدَ الليالي.
الخلاصة
قد يكون معنى الآية: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ
سَامِرًا تَهْجُرُونَ) هو:
أنكم يا كفار قريش مستكبرين بالقرآن (تعرضون عنه فلا تؤمنون به ولا تسمعونه
بسبب كِبْركم)، وإنكم (بشكل دائم مستمر على مدى العمر) تهجرونه (تتركونه
وتعرضون عنه).
حامد العولقي