نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

 

الفاجر الطموح يعطيه الله الدنيا

 أصرّ على الوصول والنجاح بالدنيا والخروج من فقره وبؤسه بأي وسيلة، فعبد الدرهم والدينار، وكفر بالعدل وبالأخلاق والقيم، واشترى دنياه بآخرته. وحاز المدقع مبتغاه، وأصبح من تلاميذ قارون، وقال كثيرون، إنه لذو حظ عظيم.

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا {77} أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا {78} كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا {79}  وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا {80} مريم

بالآية الكريمة شرطان: الأول أن يكفر الإنسان بآيات الله، والثاني القول أنه سوف يؤتى مالاً وولداً. فإذا تحقق الشرطان تكون النتيجة: [وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ]، أي سوف ينال مطلبه في [الدنيا]، لأن لاشيء له في الآخرة سوى جهنم.

فذاك الفاجر الطموح لم يحز على ماحاز لأنه ذو حظٍ عظيم أو لأنه عبقري فذّ، أو لأنه فلق الصخر، ولكن لأنه  فسق وفجر وقرّر نجاح غده.

ما أكثر الذين يكفرون بالله وبالآخرة أو هم في غفلة، ثم يؤمنون بالدنيا أشد الإيمان ويحرصون عليها أشد الحرص. لا يفهمون سعياً على أساس تقوى الله، وإنما سعياً يرجون منه مصلحة دنيوية. إن ظن أحدهم أن لا دنيا ترجى من فلان، أسقطه وتجاهله، وإن تعشّم فيه متاع دنيا سعى متشوقاً لمعرفته. 

هؤلاء غالباً سينجحون في الدنيا، كما نفهم من الآية، وسيعطيهم الله إن شاء، ما يطلبون من متاع قليل [مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ {18} الإسراء]. ثم سيفرحون بنجاحهم ويعزونه لعبقريتهم وطموحهم وعلمهم. هؤلاء لن يدركوا خطأهم إلا عندما يخسرون كل شيء بالآخرة. فيا أيها العاقل تعلم من القرآن، ولا تكن كالذي كفر بآيات الله أو تجاهلها ونسي الآخرة، ثم لا يكون له هم، إلا الدنيا.

ما الفائدة في كنوز الدنيا إن لم تدم؟ ما الفائدة إذا حان وقت فراقها غصباً، إلى عذاب مقيم دائم لا يتوقف.

 

حامد العولقي