أصل اسم حواء
الموضوع باختصار ...
بالتوراة اسم
حوّه (= حوّاء) من الحياة (أم كل
حي). ولكن يبدو أن حوّه (=
حوّاء) من الاحتواء
(جذر حوى)،
بمعنى البيت. ولعل اسم
حوّه العبري من أصل مصري قديم هو
الإلهة الشهيرة حتحور (=
حوت حور). ومعنى اسمها
بيت حور
(حت أو حوت
معناه البيت الذي هو السماء، وحور ابنها إله السماء).
فكأن معنى حتحور هو الحواء
(= السماء) الذي
يحوي حور.
فلعل أصل اسم حوّاء هو الكلمة المصرية القديمة
حوت
(بمعنى: احتواء، بيت). ثم من خلال التوراة العبرية تحولت
التاء (حوت)
إلى هاء (حوّه)
أو (حوّا) وسمّوا بها زوج آدم. ثم حولتها العربية إلى
ألف مقصورة (حوّى،
حوّا) أو ممدودة (حوّاء).
اسم حَوّاء مصدره التوراة، ورسمه: "حوه"، ونطقه:(حَوّاه/حَوّا). واشتقاقه التوراتي من الحياة. وقال بعضهم اسم حواء من الحُوَّة (سواد، سمرة)، أو من الاحتواء، وهو الصواب.
أصل كلمة حَوّاه (حَوّاء) في النقوش المصرية وغيرها
حوت بمعنى بيت بنقوش مصر
كلمة (حوت) باللغة المصرية القديمة تعني (بيت):
An Egyptian Hieroglyphic Dictionary, Wallis Budge, page 453
وفي كثير من المصادر الحديثة، تُقرأ هذه الكلمة بصورة (ح
و ت) بإظهار كتابة حرف
الواو. وفي بعض النقوش، يظهر حرف الواو
لهذه الكلمة
:
(حوت) بنقوش أوغاريت
ذكرت مصادر أن كلمة (حوت) بالأوغاريتية تعني البيت، كما بالمصرية. وبمعجم أوغاريت كلمة (حوت) تعني: (أرض، بلاد، مقاطعة). ونفس الكلمة والمعنى تقريباً في العبرية، ولكن بالهاء (حوه):
page 97, A Concise Hebrew and Aramaic Lexicon of the Old Testament, William
Lee Holladay، Walter Baumgartner، Ludwig Köhler
وبالمصرية القديمة نجد كلمة (حويتا)
بالتاء، أيضاً بمعنى (معسكر، قرية خيام).
ونلاحظ في هذه اللغات لكلمة (حوت) وما قاربها، كيف أن بعضها
بالتاء وبعضها
بالهاء (حوه) أو الألف.
الإلهة حوت
الإلهة المصرية (حوت حور)
(حوت حور بصورة بقرة مقدسة)
الإلهة (حتحور) من أشهر الآلهة بالنقوش المصرية. ومعنى الاسم (حت حر) هو (مسكن، بيت، مقر، حِجْر، حضن، رحم، منزل، وعاء) الإله حور. وإله الشمس (حور) هو ابنها، ويُسمّى (حرو سا حتحر) بمعنى (حور بن حتحور).
(اسم الإلهة المصرية حوت حور في الهيروغليفية: المربع
حوت الذي يعني الحواء
والبيت والبطن، وبداخله الإله حور)
كلمة حوت المصرية تعني
الحواء أي البيت
[الحِواء: البيت الواحد/
مقاييس اللغة].
وهذه الإلهة (حوت حور) التي معناها (بيت) حور، تمثل الأم الكبرى ووالدة الإله
أو ابنه الملك، وكذلك زوجة الإله أو الملك. وقد عبدها المصريون منذ أقدم
عصورهم، وظهرت صورتها في أقدم نقوشهم (كنقش لوحة نعرمر الذي يعود لزمن 3200
ق.م، أي قبل خمسة آلاف سنة).
ولو استبدلنا كلمة (حوت) التي في (حوت حور) بألفاظ مشابهة مثل: حيث، حوط،
حِوَاء، حوذ، حائط، حَوِيَّة، لما بعدنا عن المعنى واللفظ.
وظهر اسم الإلهة حوت حور في نقش عربي معيني كاسم شهر بصورة
حتحر
. وعرفته كتب
التراث كشهر قبطي (هاتور)، ونلاحظ المقطع (هات)، وهو من الأصل المصري الأقدم
(حات/حوت).
الإلهة حوت (من قرطاجة)
ظهرت كلمة (حوت) في نقش فنيقي قرطاجي: (ربت حوت إلت ملكت)، بمعنى : الربة (حوة) إيلة (= مؤنث إيل= الإلهة) الملكة.
المعنى الأقرب لاشتقاق اسم حواء
الأولى ربط حوّاء بمعنى الحِواء (الاحتواء) والتحوّي (الاستدارة)، أي أنها حِواء آدم (بيته، سكنه):
[خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ
إِلَيْهَا (189) الأعراف]
[خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21)
الروم]
أو على الأرجح أنها حِواء الولد (تحوي الولد، بيت الولد ومستودعه الذي ينبت فيه)، فالمرأة هي سكن وحواء ووعاء وبيت ومستودع وقرار الولد (الجنين في بطنها أو الطفل في حجرها وحضنها):
[وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ
وَمُسْتَوْدَعٌ (98) الأنعام]
[ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) المؤمنون]
[فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (21) المرسلات]
ولعله من هذه المعاني اشتق القدماء اسم (حوت/حوه). والمقاصد متعددة لهذه الكلمة، فالمصريون القدماء أرادوا به الإلهة حتحور (بيت السماء أو بيت حورس) التي اعتبروها أماً كبرى (بطناً وحِواء) لكل شيء. إذ اعتقدوا أن هذه الإلهة المصرية حوت حور كانت البطن والرحم الأول (الحياء والحَيّ) والمستودع والحِواء لكل الكائنات [إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْني لَهُ حِواءً/ اللسان]. وغيرهم أرادوا به الإلهة حوت (أثرت، أشره)، أو الإلهة عشترت أو إلهة قديمة بمعنى الحية (حوه بالأرامية القديمة) لأجل معنى الدوران والاحتواء. كما قد يُراد به الحِواء عموماً (المكان الذي يحوي). أو لعلهم أرادوا به المرأة عموماً سواء الأم (حِواء الولد وقراره) أو الزوجة (حِواء الرجل وسكنه).
نظرة لغوية لجذر حوى
جذر حوى يفيد معنى الدوران أو الاستدارة [الحوي: استدارة كل شيء/ المعجم الوسيط] والالتواء [الأَحْوى الأَلْوَى، وحَوَيْتُ ولَوَيْتُ واحد/ لِوَى الحية حِواها، وهو: انْطِواؤها/ اللسان]، ومنه اشتق اسم الحيّة [والحَيَّة: .. من حَوَى قال: لتَحَويِّها في لِوَائِها. .. وحَوى الحَيَّةِ: انطواؤها... وتَحَوَّى أي: تَجَمَّع واستدارَ. يقال: تَحَوَّت الحَيَّة/اللسان] لأنها تتحوى أي تتلوى [تَحَوَّى الشيءُ: استدارَ/ اللسان]. ولعل الْحَيّ [الْحَيُّ : البَطْنُ من بُطُونِهِمْ/ القاموس] كالحِواء والمُحَوَّى من التجمع والالتفاف [والحِواءُ ..والمُحَوَّى .. : جماعَةُ البُيُوتِ المُتَدانِيَةِ]. (الحُوّاءة من الرجال اللازم بيته/ المعجم الوسيط)، كأنه تحوّى في بيته (انطوى، تجمع، تقبض) أو من بيته الذي يحويه. وهناك كلمات شبيهة فيها المقطع الأصل (حو/حا/حي): حائط، حيط، حوط (=حوض)، حوض (=حوي)، حوش، حوم، حول، حيث، حاق، حير، .. الخ. وجذر حوى بلغات الشام القديمة بمعنى (انحناء، سجود، حيّة)، وجذر حوه بالعبرية بمعنى (دائرة من الخيام، يجمع).
التطور اللغوي لاسم حواء
(1) من (حوت) إلى (حوّاه)
كأن الأصل هو مثل لفظ (حو)، ثم أضافت له اللغات القديمة
(كالمصرية والكنعانية)
تاء التأنيث (حو + ت)، فأصبح (حوت).
تاء التأنيث في الاسم (حوت) تشبه تاء التأنيث في اسم الإلهة القديمة (لات) التي
قد تُلفظ (لاه)، ومثلها تاء التأنيث في اسم (منات) التي قد تلفظ (مناه). وكذلك
(حوت)، تبدلت فيها التاء إلى هاء (حوه). وجميع النقوش العربية القديمة كانت
تكتب هاء التأنيث بصورة تاء. ولا زالت بعض اللهجات العربية تقف لفظياً على
التاء مثل: (طست) بدلاً من طسة، و(طلحت، رحمت، ذرت) بدلاً من طلحة ورحمة وذرة،
و(أمت) بدلاً من أمة، و(هوتة) بدلاً من هوّة، و(مشكات) بدلاً من مشكاة.
وهكذا مع اختلاف وتطور اللغات واللهجات أصبح اللفظ القديم (حوت) بصيغة أحدث لدى
اليهود (حوه) أو كما لفظوه (حَوّاه/ حَوّا) ، بعد أن خففوا (تاء التأنيث) إلى
حرف يشبه الهاء (اه) أو ألف (ا) بهاء خفيفة، على طريقة اللسان العبري. ولعل
مثله بالأرامية القديمة (حوه) أي حيّة (ثعبان).
تحول تاء التأنيث في العبرية إلى هاء
تحول النطق القديم (حوت) بالتاء، إلى نطق جديد (حوه) بالهاء، سببه أسلوب اللغة
العبرية. ونورد أمثلة لبعض الكلمات القديمة في اللغات السامية الأخرى
(غير
العبرية) التي فيها تاء التأنيث، لكي نرى أن اللغة العبرية تستبدل التاء
(في
نفس الكلمة السامية) بحرف هاء:
(1) إلهة قديمة اسمها باللغة الأوغاريتية: (أثرت)، واسمها بالأكدية: (أشِرت،
أشرَت). وبالعمورية: (أشِرَتُم). ونلاحظ أن اسم الإلهة
(بجميع هذه اللغات
السامية) ينتهي بتاء التأنيث. ولكن نفس اسم الإلهة باللغة العبرية هو:
أشره
(بالهاء).
(2) كلمة أنثى (امرأة، زوجة): بالأوغاريتية: (أثت). وبالفنيقية والبونية:
(أشت). وبالأكدية (أشَّتُ، أشَّتُم). وبالأرامية (أنتت). ولكنها بالعبرية:
إشه
(بالهاء).
(3) كلمة سنة: بالأوغارتية: شنت. وبالفنيقية والبونية والمؤابية:
شت.
وبالأكدية: شَنِتَ، شَتُّ، شَنتُ. الأرامية
السورية: شتّ. وكلها بتاء التأنيث. ولكنها بالعبرية: شنه (بالهاء)، ومثله بالأرامية التدمرية: شنأ/
(4) كلمة سريّة [السَّرْو المُرُوءَةُ والشَّرَف...
ورَجُلٌ سَرِيٌّ ...وامرأةٌ سَرِيَّة/
المحكم والمحيط الأعظم]: بالأكدية:
شَرَّتُ، شَرَّتُم (بالتاء).
ولكنها بالعبرية: ساراه (بالهاء)، وهو نفس اسم سارة زوجة إبراهيم بالتوراة.
ومثل ذلك كلمة ملكة: بالأكدية: مَلْكَتُ (بالتاء). بينما بالعبرية والأرامية:
ملكه (بالهاء).
(5) تاء التأنيث الساكنة (فَعَلَتْ): تصبح هاء بالعبرية. فمثلاً الكلمة العربية
كَتَبَتْ، تصبح بالعبرية: كتبه/ والكلمة العربية سَمِعَتْ، تصبح بالعبرية:
شمعه/ والكلمة العربية ذَكَرَتْ، تصبح بالعبرية:
زكره، .. الخ.
وبنفس الطريقة، نجد أن كلمة (حوت) المصرية القديمة و(حوت) الأوغاريتية
والفنيقية البونية، تحولت في العبرية والأرامية القديمة إلى (حوه).
كلمات قديمة تأنيثها بالتاء ثم بالهاء (أو الألف)
كلمة (إحدى) الفصيحة مؤنث كلمة أحد: كانت الكلمة القديمة: (احت) بالتاء (من أصل
احدت). وصارت بالأرامية (حده) بالهاء، و(حدا) بالألف.
كلمة (أنثى): كانت الكلمات القديمة بالتاء: انثت، أثت، أتت، أنتت، إشّت، اشّتُ.
ثم بالهاء كما بالعبرية: اشه.
وتخفيف تاء التأنيث (أو التاء عموماً) إلى هاء قد حدث كذلك في كلمات عربية عدة (كما فعلت العبرية مع كلمة حوت فجعلتها حَوّه أو حَوّاه)، وهذه أمثلة: (تابوت، تابوه)، (فرات، فراه)، (هيهات، هيهاه)، (عرفات، عرفة)، (بنات، بناه)، (أخوات، أخواه)، ، (فاطمات، فاطماه)، (أولات، أولاه)، (لات، لاه)، (ولات، ولاه)، (عنكبوت، عنكبوه)، (مكرمات، مكرماه)، (ذات، ذاه).
فكلمة (حوه) العبرية التي اشتهرت عبر التوراة هي صيغة تأنيث مخففة بحرف يشبه
الهاء (اه) أو (ا) من الكلمة الأصلية القديمة (حوت). فالأقرب أن الهاء في كلمة
(حوه) العبرية هي هاء تانيث أصلية أبدلت تاء التأنيث في الكلمة الأصل (حوت)،
التي كأنها أصبحت (حوة) ثم (حوه). وهكذا ماتت وانقرضت الصيغة القديمة (حوت) كما
كان يلفظها اللسان المصري القديم وغيره، وأصبحت نسياً منسياً، وعاشت بدلاً منها
وطغت عليها في الشهرة والذيوع الصيغة الجديدة (حوه) أو (حوا) كما يلفظها اللسان
العبري. ويبدو أن العامل الأكبر لانتشار الصيغة العبرية (حوه) هو انتشار
النصرانية.
(2) من (حَوّاه) إلى (حَوّا) و(حَوّاء)
وأخيراً أصبحت (حَوّاه/ حَوّا) العبرية، عند المسلمين هي (حوّا) أو (حوّى)، أو مطابقة لها تقريباً بعد أن أصبحت هاء (حَوّاه) همزة (حوّاء).
الخلاصة
كان الأصل حرف تاء (تاء التأنيث في اللغات القديمة) ثم أصبح حرف هاء (هاء التأنيث بالعبرية) ثم لدى المسلمين أصبح حرف ألف (ألف التأنيث) أو (ألف التأنيث الممدودة):
حوت ← حوه ← حوا ← حواء
حامد العولقي