نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1
Untitled 1

الجهم بن صفوان

قد يكون الاسم (جهم بن صفوان) لقب رمزي لفرقة الجهمية. وأظن هذه الفرقة حازت على اسمها الجهمية من طريقتهم التي جعلت الإنسان عاجزاً فارغاً لا قدرة له ولا استطاعة. ولو نظرنا في جذر جهم1 ومثله كهم2 لوجدنا معان كالفراغ والخلو والعجز والظلمة، وهي غير بعيدة عن طريقة الجهمية3.

والقدماء كثيراً ما ينسبون الفرقة إلى معلم أو رئيس يمثلها ويسمونه باسمها. وعليه فقد يكون جهم (اسم رئيس الفرقة) حصل على اسمه من اسم الفرقة (الجهمية)، وليس العكس كما هو شائع.

ونلاحظ أن (ابن صفوان) هو اسم جهم نفسه لأنه بمعناه تقريباً. فكلمة صفوان4 فيها معنى الفراغ والخلو مثل كلمة جهم. ولعل ربط الاسم صفوان مع قول الجهمية (الإنسان لا يقدر على شيء، .. لا قدرة له)5، مستوحى من ألفاظ الآية [فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ (264) سورة البقرة]. كأن (ابن صفوان) يصف الإنسان الذي أصفى (انقطع من العمل والقدرة)6، فالاسم : جهم بن صفوان، كأنه مثل لو سمّيناه: عاجز بن منقطع.


(1) نلاحظ معنى الخلو والفراغ والعجز في جذر جهم [الصحاح في اللغة : والجَهامُ بالفتح: السَحابُ الذي لا ماءَ فيه/ لسان العرب : الجَهامُ السحاب الذي فرغ ماؤه/ القاموس المحيط : والجَهْمُ : العاجِزُ الضَّعيفُ كالجَهُومِ/ اللسان: ورجل جَهْم وجَهِمٌ وجَهُوم عاجز ضعيف/ اللسان: جِئتَني بجَهام أَي الذي تَعْرِضُه عَليَّ من الدِّينِ لا خير فيه]

(2) ديوان الأدب - الفارابي : سيفٌ كَهامٌ: للَّذي لا يُمْضَي. ورجلٌ كهامٌ: للَّذي لا غَناء عنده

(3) نلاحظ أن الجهمية جعلت الإنسان عاجزاً فارغاً [الفرق بين الفرق -البَغْدادي : الْجَهْمِية اتِّبَاع جهم بن صَفْوَان .. وانكر الاستطاعات كلهَا ... وَقَالَ لافعل وَلَا عمل لَاحَدَّ غير الله تَعَالَى وانما تنْسب الاعمال الى المخلوقين على الْمجَاز/ المنتقى من منهاج الاعتدال :  الجهم بن صَفْوَان وغلاة المثبتة أَنهم سلبوا العَبْد قدرته وَقَالُوا حركته كحركة الْأَشْجَار/ لوامع الأنوار البهية: لَا تُثْبِتُ لِلْعَبْدِ شَيْئًا كَالْجَهْمِيَّةِ أَصْحَابِ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالُوا: لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا]

(4) العين : وصَفْوانٌ، واحده صَفْوانةٌ، وهي حجارةٌ مُلْسٌ لا تُنبِتُ شيئاً/ مقاييس اللغة : ومن الباب الصفا، وهو الحجر الأملس، وهو الصفوان، الواحدة: صفوانة، وسميت صفوانة لذلك؛ لأنها تصفو من الطين والرمل. قال الأصمعي: الصفوان والصفواء والصفا، كله واحد./ القاموس المحيط : والصَّفاةُ: الحَجَرُ الصَّلْدُ الضَّخْمُ لا يُنْبِتُ

(5) االملل والنحل -الشهرستاني: الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله؛ لا قدرة له، ولا إرادة، ولا اختيار/ بحوث ودراسات في اللهجات العربية من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة : 2-جَهْمُ بن صَفْوان ( 127 هـ ) : ... ويَرى أيضا أنّ الإنْسانَ مَجْبُورٌ فى أَعْمالِه، لا قُدْرَةَ له ولا إِرادَةَ ولا اخْتِيارَ . ... قال ابن الرّومى ... لَئِنْ خَيَّبْتَنِى ورَفَدْتَ غيرى ... ... لَقَدْ صَدَّقْتَ عِنْدِى قَوَلَ جَهْمِ [يعنى أنّك لا إرادة لك ولا اختيار].

(6) تاج العروس : وأصفى الشاعر: لم يقل شعرا ...انقطع شعره ...وأصفت الدجاجة: انقطع بيضها، كأنها صفت

حامد العولقي