نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

حرف الجر (مِن)

حرف الجر (مِن) الذي بالآية : جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء: 43])، اعتبر المفسرون معناه كالذي في عبارة: جاء فلان من المكان. وإذن (الغائط) هو مكان (ذهب إليه الإنسان ليقضي فيه حاجته)، ولذلك اعتبروا الغائط بالآية هو غائط الأرض (مكان منخفض).

ولكن قد يكون لحرف الجر (مِن) بالآية معنيان آخران. وسوف نفترض أن الغائط = الفضلات (التي بداخل الإنسان):

 

(1) نفترض أن (جاء) بمعنى أخرج

وعليه يمكن أن يكون معنى حرف الجر (مِن) بالآية: جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [المائدة: 6]، مثل :

(أ)

أخرج فلان من الفضلات = أخرج فلان (ما بداخله) من الفضلات

 

فحسب (معنى الإخراج)، سيكون الأرجح أن معنى عبارة (من الغائط) بالآية كأن نقول: أكل فلان (من الطعام) أو أخرج فلان (من المال)[1].

(ب)

أخرج (أي تغوط) فلان بسبب الفضلات

 

(2) نفترض أن (جاء) بمعنى فتح مخرج الدبر

 وعليه يمكن أن يكون معنى حرف الجر (مِن) بالآية: جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [المائدة: 6]، مثل :

فتح فلان بسبب الفضلات = فتح فلان (مخرجه) بسبب الفضلات.

 

وهذه تُسمّى (مِن) السببية[2] أو التعليلية[3]، وأمثلتها:

صرخ المريض من الألم (بسبب الألم)

بكى الطفل من الجوع، (أي بسبب الجوع)

ولها أمثلة عديدة بالقرآن، حيث تفيد (مِن) بهذه الآيات معنى (بسبب، لأجل) :  

 وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ (84) يوسف، (أي بسبب الحزن)

كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (19) الأحزاب، يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ  (20) محمد

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ  (74) البقرة، خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ  (21) الحشر، (أي بسبب خشية الله)

وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (32) القصص

يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ (1(19) البقرة

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (24) الإسراء، (أي تذلل لوالديك بسبب رحمتك لهما)

وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ (111) الإسراء

خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ (45)  االشورى

عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (119) آل عمران، (أي بسبب الغيظ)

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ  (8) الملك


[1] [{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ } (21) سورة السجدة، { تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ } (92) سورة التوبة، { تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ } (83) سورة المائدة، { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء } (50) سورة الأعراف، { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } (188) سورة الأعراف، {وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء } (4) سورة القمر، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } (100) سورة الصافات، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ } (28) سورة يــس، {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ } (31) سورة  يس

[2]  اللمحة في شرح الملحة - ابن الصائغ: ابتداء الغاية في المكان، كقوله: قمت من الدّار، وللتّبعيض، كقولك: أنفقت من المال، ولتمييز الشّيء من غيره، كقولك: أحبّ الحمام من الطّير؛ وتكون سببيّة، كقولك: من أجل السّلامة أطلتُ الصّمت

[3] الجنى الداني في حروف المعاني  - ابن أُمّ قَاسِم المرادي: الرابع: التعليل، نحو " يجعلون أصابعهم في آذانهم، من الصواعق "، " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل "، " لما يهبط من خشية الله ".

 

 

حامد العولقي