معنى الكتاب والحكمة باختصار
إذا جاءت كلمتا الكتاب والحكمة
مقترنتان مع بعضهما في آية واحدة مثل:
وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (129) البقرة، (2) الجمعة، (164) آل عمران
وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (151) البقرة
وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ
الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ (231) البقرة
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (113) النساء
فهذا قد يعني أن القرآن كأنه يتكون من
قسمين: قسم
الكتاب، وقسم الحكمة. وسمّى الله كتابه
بالكتاب الحكيم
[الر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) يونس/ تِلْكَ
آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) لقمان/
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) يس/ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ
(58) آل عمران/ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ
حَكِيمٌ (4) الزخرف]
قسم آيات الكتاب
ويبدو أن المقصود
بالكتاب، هو الآيات القرآنية التي تتكلم عن
الفرائض والأوامر والنواهي والتشريعات
والحدود والقيود والأحكام والقوانين والقضاء والتكاليف والواجب واللازم
..الخ.
وهذه الآيات تحتوي أيضاً على صميم الحكمة.
وآيات الكتاب تشكل نسبة صغيرة من
القرآن. ومن أمثلة آيات الكتاب:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ (43) البقرة/ الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ (2)
النور/ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا (38)
المائدة/
وكما في سورة الإسراء [وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ (31)/ وَلَا
تَقْرَبُوا الزِّنَا (32)/ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ (33)/ وَلَا
تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ (34)/ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ (35)]
كل آية فيها (كتب عليكم)، مثل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ (178)
البقرة/ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (183) البقرة/ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ (216) البقرة/ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (24) النساء
والفرائض المختلفة كالطلاق والميراث والنكاح وغيره، مثل:
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241]/ {لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]/
{إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ
وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5]/
قسم آيات الحكمة
والمقصود
بالحكمة، هو مثل آيات القصص والعبر [وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ
مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ (5) القمر] والحوار والمنطق والجدال والمراجعة والذِكْر والنصح والتعليم
والتفهيم والتوجيه وما ضرب الله من أمثال، وغيره كثير.
وكذلك آيات الكتاب (الفرائض والأوامر والنواهي) تتضمن أعظم الحكمة.
وآيات الحكمة تشكل نسبة كبيرة جداً من
القرآن. ومن أمثلة آيات الحكمة:
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا
بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء//
هنا يعلمنا
القرآن التصرف الحكيم مع ما نسمعه من أخبار، وأن لا نستعجل في نشرها.
والأحكم أن نتأكد منها ونفهمها ونعلمها (من خلال الاستنباط) فنعلم حقيقتها
قبل إذاعة كلام خاطيء وكاذب.
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ (53) الإسراء//
هنا يعلمنا القرآن كيف نتكلم
بحكمة،
فلا نقول أي شيء، بل نختار كلماتنا بدقة ونحسب لها حساباً، وإلا وصلت إلى
الآخرين بصورة سيئة بسبب نزغ الشيطان.
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ
الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) الجن//
هنا يعلمنا القرآن أن نتجنب الخطأ الغير
حكيم
الذي كان يفعله من كانوا يطلبون الحماية من مخلوقات لا تملك لهم نفعاً،
فكانت النتيجة أن استبدت بهم تلك المخلوقات واستغلتهم وتحكمت بهم وتسلطت
وتجرأت عليهم (بسبب اعتقادهم بها ورضوخهم لها).
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
الطور//
هنا يعلمنا القرآن كيف نحكم حكما صحيحا بعقل وميزان ومنطق وعدل (كيف
نفكر بطريقة حكيمة) لنعرف الحق من الباطل
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ
إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) الأنبياء
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا
بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) الفرقان//
هنا يعلمنا القرآن التصرف
الحكيم إزاء الجهلة
والقرآن اسمه
(الذِكْر) وهو صميم الحكمة، لأنه يذكّر
الإنسان كلما نسي وجهل
(من خلال العبر
والقصص والأمثال والمواعظ وأخطاء من سبقونا) فيتذكر الحق والصواب وأين هو اعتقاده
وعمله منه، ويتذكر الآخرة والموت والعذاب والنعيم فيراجع أخطاءه ويحاسب
نفسه ويصلحها ويتوب قبل يوم الحساب.
معنيا الكتاب
والحكمة يمكن أن يمتزجا في آية واحدة أو في آيات مترابطة
لا شك أن كل آيات الكتاب
(التي افترضنا
أنها غير آيات الحكمة)، تحتوي على أعظم حكمة. وكذلك آيات
الحكمة
(التي افترضنا
أنها غير آيات الكتاب) قد تحتوي على آيات كتاب
(أوامر ونواهي
وأحكام)، ولكن ربما تضمنت ذلك بطريقة أقل أو
غير مباشرة أو غير ملزمة. فربما معنى كتاب ومعنى حكمة موجود في كل آية،
ولكن ربما احتوت آية
(أو فقرة من
الآيات) على معنى كتاب أكثر من معنى حكمة، أو
العكس.
ولكن لأجل تبسيط وتوضيح الفكرة، كأننا
فصلنا ومايزنا بين آيات الكتاب وآيات الحكمة، ولأجل أن
آيات الكتاب يغلب فيها معنى القانون
(الفرض والواجب)،
بينما آيات الحكمة يغلب فيها معنى التعليم
والتفهيم والنصح
(الحوار والجدال والمنطق والمعلومات، ..).
فكأن آيات الكتاب والحكمة ممتزجتان
بالقرآن، فقد ترى آيات الحكمة في موضع ما بالقرآن واضحة متميزة عن آيات
الكتاب، وقد تراها في موضع آخر بالقرآن تتشابه كثيراً مع آيات الكتاب أو لا
تكاد تتميز عنها.
حاولت في هذا الموضوع أن اختصر قدر
الإمكان. ولكن لكي تتضح الصورة أكثر، فأرجو قراءة التفاصيل في بقية
المواضيع التابعة لمعنى آيات الكتاب والحكمة.