نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

مثناة أهل الكتاب

المِشنا اليهودي أو المِشناه מִשְׁנָה (النص الأساسي للتلمود)، هو كتاب شارح للتوراة. فالتوراة النص الأصلي والمشنا النص الشارح.

واسم المشنا من أصل جذر شنه שנה الذي هو نفس جذر ثنا بالعربية (من نفس معنى الرقم اثنين). فالأصل في اسم المشناه هو الرقم اثنين أو فعل ثنا (شنا بالعبرية)، ولكن أصبح المقصود من ذلك هو الشرح والتوضيح والتفسير. وأصل أن تشرح عبارة ما، هو أن تقولها مرة ثانية (تعيدها وتكررها بكلمات أخرى وبطريقة أخرى) لتوضيح نفس المعنى (الذي لم يكن واضحاً في كلمات العبارة الأصلية الأولى).

ويبدو أن العرب ترجموا كلمة مشنا أو مشناه العبرية إلى مُثَنَّاة أو مَثْناة، وجاء ذكرها في الآثار :

فضائل القرآن للقاسم بن سلام (ت 224 هـ): وإن من أشراط الساعة أن تقرأ الْمُثَنَّاةُ على رءوس الملأ لا تغير» . قيل: وما الْمُثَنَّاةُ ؟ فقال: «ما استكتب من غير كتاب الله» ... قال أبو عبيد: الْمُثَنَّاةُ أراه يعني كتب أهل الكتابين التوراة والإنجيل

الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230هـ): إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مَثْنَاةٌ كَمَثْنَاةِ أهل الكتاب

تهذيب اللغة - الأزهري الهروي، أبو منصور (ت 370هـ): وقال أبو عبيد: وسألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأولى، قد عرفها وقرأها، عن (المَثْناة) فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو المَثْناة

المحلى بالآثار -ابن حزم (ت 456هـ):  يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: إن ابني هلك، فزعمت اليهود أنه لا حق لي في ميراثه؟ فدعاهم عمر فقال: ألا تعطون هذه حقها؟ فقالوا: لا نجد لها حقا في كتابنا؟ فقال: أفي التوراة؟ قالوا: بلى، في الْمُثَنَّاةِ قال: وما الْمُثَنَّاةُ ؟ قالوا: كتاب كتبه أقوام علماء حكماء؟ فسبهم عمر وقال: اذهبوا فأعطوها حقها.

مجموع الفتاوى -ابن تيمية (ت 728هـ): وكتاب الْمَثْنَوِيِّ الذي معناه الْمُثَنَّاةُ.

وجاء في [تفسير الطبري (ت 310 هـ): عن ابن عباس، قال: «أوتي النبي صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني الطول، وأوتي موسى ستا، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان وبقيت أربع»]. ولعل خبر المثاني التي أوتيت لموسى ورفعت هو من آثار ما يقوله اليهود أن المثناة (المشناه) التي ألّفها الأحبار، أيضاً أوحيت إلى موسى ولكن لم تُكتب (شريعة شفوية).

فالمشناه اليهودية هي شروح وتفاسير وتوضيح (تكرار وإعادة بقصد التفسير) للنص التوراتي قام به الأحبار ثم كتبوه بعد ذلك في التلمود. ويهمنا الناحية اللغوية لكلمة مشناه (مثناة) أنها من فعل ثنا (كرر، أعاد). والقصد من التكرار والإعادة هو الشرح والتفسير. لكن نلاحظ أن المشناه اليهودية هي كتاب آخر منفصل ومستقل عن الكتاب الأول (التوراة). كذلك المشناه اليهودية هي تأليف بشري وشرح بشري ألّفه الأحبار. ويهمنا فقط الجانب اللغوي، أن المثناة اليهودية من فعل ثنا (كرر، قال مرة ثانية) التي أريد بها معنى التفسير والشرح.

 

حامد العولقي