فأجاءها المخاض
فَأَجَاءهَا
الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ (23) سورة مريم
التفسير المعروف
فُسّر لفظ (أجاء) حسب المعنى الشهير لفعل جاء
(الحركي المكاني)[1].
فذكرت التفاسير أن المخاض جاء
بمريم
(إلى) جذع النخلة، أي: جعل مريم (تأتى
وتذهب) إلى الجذع
[اللسان: أَجَأْتُه أَي: جِئتُ به]، ومن ثم بمعنى[2]
: اضطرّ مريم وألجأها (إلى الجذع)[3].
وبعبارة أخرى،
المخاض جعل مريم تتحرك وتنتقل
(تأتي وتجيء)
من مكانها الأول إلى مكان آخر
(هو جذع النخلة).
احتمال آخر
هناك احتمال آخر لفعل (أجاء) بالآية، وهو معنى
(إخراج ما في
الجوف)، أي الولادة
(إخراج الولد من البطن). فقد يكون معنى (فَأَجَاءهَا
الْمَخَاضُ) لا يبعد في الأصل اللغوي عن معنى (جَاء
أَحَدٌ مِّنكُم)
الذي بحثنا فيه. فلعل الفعل (جاء/أجاء) في الآيتين بمعنى متقارب متشابه[4]
(معنى الإخراج لما في البطن)، أي كأن معنى "أجاء" مثل معنى "أقاء"[5].
فعل (أجاء)[6]،
قد يكون بمعنى أن : المخاض جعل مريم
تجيء[7]
(كُرْهًا بغير إرادتها)[8].
ولكن (أجاء) ليس من فعل جاء الحركي
(الذي بمعنى: جاء من مكان إلى مكان)،
وإنما بمعنى يشبه فعل قاء
(إخراج ما في البطن). الفعل (أجاء)
بالآية (فَأَجَاءهَا
الْمَخَاضُ) قد يكون معناه مثل (أقاءه
الدواء)[9]
ومثل (أمشاه
الدواء)[10].
فالفعل (أجاء) بغير إرادة الإنسان، أي أن المخاض أو الدواء أرغم الإنسان أن
يجيء
(بمعنى مثل يقيء)، في لحظة لم يختارها. أما (جاء) كما في الآية (جَاء
أَحَدٌ مِّنكُم)، فبمعنى أن الإنسان
جاء[11] بإرادته
(بمعنى مثل قاء)، في لحظة يختارها.
فكأن معنى الآية (فَأَجَاءهَا
الْمَخَاضُ): أن المخاض جعل مريم تجيء
(تُخْرِج
ما في بطنها) أي تلد
(أجبر المخاض الرحم أن
يُخْرِج الجنين). أو لعل: (المخاض أجاء مريم)، ولكن ليس بمعنى: (جاء
بمريم إلى الجذع/ جعل مريم تجيء وتأتي
إلى الجذع)، وإنما بمعنى: جعل مريم تجيء بولد
(أي جعلها تضع). فمريم جاءت بالولد
(بسبب المخاض)، أو أن المخاض جعلها تجيء
بالولد. فأظن أن فعل (جاء/أجاء) بالآيتين لا يُقصد به معنى جاء
الحركي
(المجيء من مكان إلى مكان).
فعل (أجاء) قد يكون بمعنى مثل الفتح أو الإخراج
والإظهار أو ما شابه
(ربما غير بعيد عن معنى قاء)، ولعله يشبه تعبيراً جاء
في التوراة:
(فاتح رحم)، أو كما بالنص العبري
(فاطر رحم)[12].
فالمخاض أجاء (التي ستلد)، أي قد يكون بمعنى فتح رحمها لتخرج جنينها.
إلى جذع النخلة
ولعل فهم فعل (أجاء) بالمعنى الحركي المكاني لفعل (جاء)، بالإضافة إلى عبارة
الآية الكريمة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ)، هو الذي قد أُسيء
فهمه إلى معنى (الإذهاب نحو والإلجاء إلى)[13]،
حتى ظن المفسرون أن المخاض دفع مريم
(واضطرّها وأدّاها وأذهبها وساقها) إلى جذع النخلة.
ولكن يبدو أن هناك معنى آخر محتملاً لعبارة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ)،
مثل: (نحو وعند
وقرب وجوار) جذع النخلة. فعبارة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) تقصد فقط تحديد
موضع
الولادة، وربما لا تقصد الآية الدفع والإلجاء
إلى ذلك الموضع.
أي أن عبارة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ)
لا علاقة لها بفعل (أجاء).
تفسير أن المخاض دفع مريم وساقها إلى جذع النخلة، ربما أدى إلى أن نتصور أو
نفهم أن الآية تريد أن تخبرنا عن السبب الذي جعل مريم تلجأ للجذع
(أي وكأن هدف ووظيفة ودور المخاض هو دفع مريم لجذع النخلة)، أو كأنه لولا المخاض لما تواجدت مريم عند الجذع
ولما لجأت إليه. أو بعبارة أخرى، أن دور الفعل (أجاء) أو دور معنى (أجاء
المخاض مريم)، هو جعل مريم تلجأ للجذع.
فالمخاض عندما أجاء مريم، إما أن نفهم أن غايته وهدفه ووظيفته أنه جعل مريم
(تجيء بولدها) أي تخرجه
(تلده)، أو أنه جعلها (تجيء إلى الجذع)، أي تأتي وتلجأ
إليه؟
والأرجح أن محور الآية ومركزها هو (ولادة) مريم
وليس (الإلجاء) إلى جذع النخلة. فالأقرب هو أن الآية تريد أن تخبرنا
أن المخاض سبّب ولادة مريم
(وهي لدى
الجذع)، ولا يبدو أن الآية تريد أن تخبرنا أن المخاض سبّب انتقال وذهاب
مريم إلى الجذع.
عبارة (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) لا علاقة لها بالمخاض
(أي أنه أجاء
مريم)، وإنما فقط بالإخبار عن مكان الولادة أو حيث أجاءها المخاض
(حيث
جعلها تلد). أي أن المخاض قد جعلها تلد (عندما كانت مريم جالسة عند جذع
النخلة)[14].
فمريم كانت عند الجذع قبيل
أن يأتيها المخاض، ولما ضربها المخاض، أجاءها
(جعلها تجيء، أي تُخْرِج جنينها).
فالآية قد تقصد ببساطة أن مريم تمخّضت
(عند) الجذع. أو أن المخاض جعلها تجيء
(بمعنى مثل: تقيء) ما في بطنها
(أي تلد)، (عندما كانت
عند الجذع)[15]. فكأن جملة (فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ) مستقلة تماماً عن
جملة (إِلَى
جِذْعِ النَّخْلَةِ)[16].
فالعرب تستخدم تعبير (إلى الشيء)، ليس دائماً بمعنى الإلجاء والاضطرار أو الذهاب
والسير نحو، ولكن بمعنى آخر أضافي مثل (عند[17]، لدى، أمام، مقابل، حيث، قرب،
إزاء)[18]
.
وهناك شاهد رائع
(وإن كنت أظنه متأثّراً بقصة مريم عليها السلام)، عن تسمية
أحد الشعراء (أبي نخيلة)[19]
قد يحسم القضية:
[وكنى أبا نخيلة لأن أمه ولدته
إلى جنب
نخلة][20]
.
فتعبير (إلى جنب نخلة) لا نجده مرتبطاً بمعنى قبله
يفيد الإلجاء والاضطرار والسوق، وإنما فقط
للإخبار عن مكان الولادة. كما يوجد مقطع طريف عن قصة ولادة الإمام
السيوطي
(التي اُقتبست من قصة مريم) قد يفيد في توضيح معنى (إلى جذع النخلة)
[فأجاءها المخاض،
وهي بين الكتب، فوضعته][21].
فنلاحظ أن عبارة (وهي بين الكتب) غير مرتبطة بمعنى أن المخاض قد ألجأ[22]
والدة السيوطي إلى ذلك المكان، وإنما فقط تعني (حيث وضعته أو حيث أجاءها
المخاض). وأيضاً مثل عبارة
[فضربها المخاض،
وهي في جوف الكعبة/
المستدرك للحاكم]. فهذه الأمثلة السابقة أظنها تشبه معنى (إلى جذع النخلة)، أي أن المخاض
قد أجاء مريم أي أولدها
(وهي عند جذع النخلة).
(جاء/أجاء) قد يكون مثل (مشى/أمشى)
فعل مشى معروف استعماله، مثل
(مشى الطالب إلى المدرسة). وكذلك فعل (أمشى)، قد يُستعمل بمعنى مثل
(أَمْشَاهُم بَين يَدَيْهِ/
أمشاه بين يديه/ أمشاه في الدنيا على رجلين)[23].
فهنا فعل (مشى/ أمشى) له معنى معروف شهير
(انتقال وتحرك الإنسان على قدميه
من مكان إلى مكان). وهذا جري أو إجراء القدمين.
كذلك يمكن أن يقال (مشت بطن الإنسان) أو (مشت المرأة)[24]،
أو (أمشى الدواء البطن). وهنا فعل (مشى/ أمشى) له معنى (إخراج ما بالداخل).
وهذا جري أو إجراء ما بداخل البطن.
كذلك بنفس الطريقة يُستعمل فعل (جاء/ أجاء). إذ
يمكن أن يكون مثل (مشى/ أمشى)، مرة يُستعمل بالمعنى المعروف الشهير
(انتقال
على القدمين من مكان إلى مكان)، ومرة
بمعنى (إخراج ما بالداخل).
فيمكن القول أن المخاض عندما أجاء مريم، لم يجيء
بمريم
(على قدميها الى مكان)، بل جعل
مريم تجيء بالولد (تخرجه من بطنها).
[1]
ما أقصده
بمعنى جاء (الحركي المكاني) هو مثل عبارات : جاء التاجر من السوق/
جاء زيد من الشام/ جاءت الجيوش من خراسان.
[2]
الكشاف
للزمخشري: { فَأَجَاءهَا } أجاء : منقول من جاء، إلا أن
استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء /
التحرير والتنوير لابن عاشور:
وأجَاءها معناه ألْجأها، وأصله جاء ، عدي بالهمزة فقيل : أجاءه، أي
جعله جائياً. ثم أطلق مجازاً على إلجاء شيء شيئاً إلى شيء،
كأنه يجيء به إلى ذلك الشيء، ويضطره إلى المجيء إليه. قال الفراء:
أصله من جئتُ وقد جعلته العرب إلْجاء.
[3]
صحيح البخاري
: {فأجاءها} /مريم: 23/: أفعلت من جئت، ويقال: ألجأها اضطرها/ جامع
البيان للإمام الطبري: وقوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة}
يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل:
لما أسقطت الباء منه أجاءها، ... وإنما هو أفعل من المجيء، كما
يقال : جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ... أجاءته المخافة والرجاء
يعنى: جاء به، وأجاءه إلينا ... وإنما تأول من تأول ذلك بمعنى:
ألجأها، لأن المخاض لما جاءها إلى جذع النخلة، كان قد أنجاها إليه/
جامع البيان للطبري: ومثله: {فأجاءها المخاض} [مريم: 23] معناه:
فجاء بها المخاض/ مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني: يقال: جاءه
بكذا وأجاءه، قال الله تعالى: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة}
<مريم/23>، قيل: ألجأها، وإنما هو معدى عن جاء/ الجامع لأحكام
القرآن للقرطبي: قوله تعالى: "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة"
"أجاءها" اضطرها؛ وهو تعدية جاء بالهمز. يقال: جاء به وأجاءه
إلى موضع كذا/ فتح الباري، شرح صحيح البخاري، فَأَجَاءَهَا
أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ وَيُقَالُ أَلْجَأَهَا اضْطَرَّهَا ..
قوله: (فأجاءها: أفعلت من جئت ويقال ألجأها اضطرها) ... (فأجاءها
المخاض) مجازه أفعلها من جاءت، وأجاءها غيرها إليه، يعني فهو من
مزيد جاء، ... أجاءته المخافة والـرجاء والمعنى ألجأته. وقال
الزمخشري: إن أجاء منقول من جاء، إلا أن استعماله تغير بعد
النقل إلى معنى الإلجاء/
الدر
المنثور: {فأجاءها المخاض} قال: ألجأها.
...: {فأجاءها المخاض} قال: اضطرها.
... {فأجاءها المخاض} قال فأداها/ تفسير
الجلالين: (فأجاءها) جاء بها (المخاض) وجع الولادة (إلى جذع
النخلة) لتعتمد عليه فولدت/ اللسان: وقال الفرّاء في قول
اللّه: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:
23]؛ هو من جِئْتُ، كما تقول: فجاء بها المَخاضُ/نظم الدرر في
تناسب الآيات والسور : {فأجاءها} أي فأتى بها وألجأها {المخاض} وهو
تحرك الولد في بطنها للولادة {إلى جذع النخلة}
[4]
اعتبر المفسرون واللغويون فعل أجاء من أصل جاء، وإن قصدوا
معنى "جاء من مكان إلى مكان" [التفسير الوسيط للواحدي : جاءها
وأجاءها بمعنى واحد/ الكشاف للزمخشري: { فَأَجَاءهَا } أجاء :
منقول من جاء/ فتح الباري لابن حجر: وقال الزمخشري: إن أجاء منقول
من جاء/ التحرير والتنوير لابن عاشور: و{ أجَاءها معناه ألْجأها ،
وأصله جاء / صحيح
البخاري: {فأجاءها} /مريم: 23/: أفعلت من جئت/ [جامع البيان
للطبري: وقوله: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة} يقول تعالى ذكره:
فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، .. وإنما هو أفعل من المجيء، كما
يقال : جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به،..أجاءته المخافة والرجاء
يعنى: جاء به / ومثله: {فأجاءها المخاض} [مريم: 23] معناه: فجاء
بها المخاض]/ مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني: يقال: جاءه بكذا
وأجاءه، قال الله تعالى: {فأجاءها المخاض}..وإنما هو معدى عن جاء/
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: قوله تعالى: "فأجاءها .. وهو
تعدية جاء بالهمز. يقال: جاء به وأجاءه إلى موضع كذا/ فتح الباري
لابن حجر: فَأَجَاءَهَا أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ .. ... (فأجاءها
المخاض) مجازه أفعلها من جاءت، وأجاءها غيرها إليه، يعني فهو من
مزيد جاء/ اللسان: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ
النَّخْلَةِ} [مريم: 23]؛ هو من جِئْتُ، كما تقول: فجاء بها
المَخاضُ/ التبصرة لابن الجوزي : {فأجاءها المخاض} المعنى: فجاء
بها]
[5]
[منحة الباري بشرح صحيح البخاري :
({فَأَجَاءَهَا}) وزنه في الأصل أفعلت؛ إذ الأصل أجياء]. وأظن
المقصود لفظ " أجيأ" وليس لفظ "أجياء". وجذرا قاء وجاء هما قيأ
وجيأ.
[6]
أي مثل (أقاء)
[المعجم الوسيط: (أقاءه) جعله يقيء] وما شابه، كما فصلنا في (جاء
أحد منكم).
[7]
وللتوضيح:
كأنها (تقيء) ، أي كأنه (أقاءها): جعلها تُخرج مافي بطنها، أي تلد.
[8]
ففي حالة
الولادة (مثل أجاءها المخاض) يكون فعل (أجاء) إجباري لا إرادي، فلا
يتحكم فيه الإنسان [{وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } (15) سورة
الأحقاف]. أما في حالة التغوّط (مثل: جاء فلان) فإن فعل (جاء)
إرادي غير إجباري، يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه إلى حين، فيتغوط
متى شاء.
[9]
[المعجم الوسيط : (أقاءه) جعله يقيء / (قيأه) هو أو الدواء
أقاءه]/تاج العروس : وقَيَّأَهُ الدَّوَاءُ وَأَقَاءَه
بِمَعْنى، أَي فعل به فِعْلاً يَتَقَيَّأُ منه، وقَيَّأْتُه
أَنا ... وقَيَّأَتُ الرَّجُلَ إِذا
فَعَلْتَ به فِعْلاً يَتَقَيَّأُ منه.
[10]
تاج العروس :
وأَمْشاهُ الدَّواءُ : أَطْلَقَ بَطْنَهُ/ شمس العلوم : وأمشاه
الدواء: أي أسهله/ تاج العروس :وأطْلَقَ الدّواءُ بطْنَه: مشّاه.
[11]
أي كأنه قاء:
أخرج ما في جوفه أي تغوّط. [نظم الدرر: القيء الذي هو أخو
الغائط].
[12]
خروج 13 - 2 : قدش لي كل بكور فطر كل رحم،
ببني يسرال، بأدم وببهمه، لي هوأ (=
قدس لي كل بكر كل
فاتح رحم من بني اسرائيل من الناس
و من البهائم انه لي)
[13]
اللسان
[أَجاءه إِلى الشيء: جاءَ به وأَلجأَه واضْطَرَّه إليه].
[14]
لعل
مريم قد
اعتادت أن تجلس تحت النخلة لتستظل بها ولتريح وتسند ظهرها إلى
جذعها. وهذا يشبه صنيع موسى: [فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى
إِلَى الظِّلِّ} (24) سورة القصص/
إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ (63) الكهف]. والإنسان عموماً إذا وجد
حائطاً أو صخرة أو شجرة أو أسطوانة فإنه يميل أن يجلس إلى مثله
فيسند ظهره أو يستظل به. وبينما مريم على عادتها تلك، أجاءها
المخاض وهي عند النخلة. ولو لم تكن مريم عند جذع النخلة حين ضربها
المخاض لربما شقّ عليها أن تسير إلى الجذع وهي في حالة من الألم
العظيم والوهن الشديد [{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى
وَهْنٍ} (14) سورة لقمان/ {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا
وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (15) سورة الأحقاف/ { حَمَلَتْ حَمْلاً
خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت} (189) سورة
الأعراف].
[15]
كأن الآية
تقول: ضرب المخاض مريم (عند) النخلة، وتحديداً عند أصلها (جذعها).
ونرى مثل هذا التعبير (إلى جنب كذا) قد استخدم في قصة ولادة امرأة،
دون ربطه بأن المخاض دفع تلك المرأة وساقها وألجأها واضطرها
إلى ذلك المكان [تعليق من أمالي ابن دريد - إبن دريد: أقبلت مع عمر
- رحمة الله عمله - لصلاة الغداة، حتى اذا كنا بالسوق، سمعت صوت
صبي يبكي، فجاء حتى قام عليه، فاذا عنده أمه، فقال: ما شأنك ؟
قالت: جئت إلى هذه السوق لبعض الحاجة، فضربني المخاض، فولدت.
وهي (إلى جنب دار) قوم في
السوق]. فنجد العبارة (إلى جنب دار)
غير متعلّقة بعبارة (فضربني المخاض، فولدت). وقد يوضّح ذلك معنى
عبارة الآية (إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ).
[16]
فقد يكون
التأول أو المعنى (ألجأها المخاض واضطرها إلى الجذع) غير وارد،
والله أعلم.
[17]
مغني اللبيب
عن كتب الأعاريب - ابن هشام: إلى حرف جر له ثمانية معان ...
والسابع: موافقة عند، كقوله: أمْ لا سبيلَ الى الشّباب،
وذكرهُ ... أشهى إليّ من الرّحيقِ السّلسلِ/ الجنى الداني
في حروف المعاني - ابن أُمّ قَاسِم المرادي : إلى حرف جر،
يرد لمعان ثمانية:...السابع: موافقة عند، كقول أبي كبير
الهذلي: أم لا سبيل إلى الشباب، وذكره ... أشهى إلي من
الرحيق، السلسل، أي عندي.
[18]
وهذه أمثلة
مستخدمة على مقصد العرب من تعبير
(إلى الشيء) بمعنى (نحو، عند، أمام ، قرب، مقابل، حيث،
إزاء) ولا نجد فيها (أو لا نكاد) معنى الإلجاء والاضطرار والدفع:
[(الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني: قال إبراهيم: فوقفت على قبره
إلى جانب قبرها
بعليبٍ/ العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي: كان يرعى
غنماً إلى جانب الغار/
الفتوحات المكية، محيي الدين بن عربي: وهو جالس
إلى جانب الملك/ الطبقات
الكبرى، ابن سعد: عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع
إذ كان المسجد عريشا فكان يخطب
إلى ذلك الجذع/ كليلة ودمنة، ابن المقفع: ثم اضطجع
إلى جانب حمامته/ نهاية الأرب
في فنون الأدب - النويري: فبينما هو نائم
إلى جنب سرير
فرعون / بلاغات النساء، ابن طيفور: رقد
إلى ناحية وحده/ المنتظم، ابن
الجوزي: ناموا إلى كنف
بعدلك واسـع/ المنتظم، ابن الجوزي : وقتل جُل أصحابه،
إلى جانب نهر، فدعي نهر دم
لتلك الوقعة/ الجرح والتعديل، الرازي: جلسوا
إلى يزيد
.. جلسوا إلى سليمان .. جلسوا
إلى
العلاء / الطيوريات:
لمّا ماتَ زيدُ بنُ ثابتٍ جلسْنَا
إلى ابْنِ عبّاسٍ
في ظِلِّ قصرِه فقال / مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر،
المعرفة والتاريخ للبسوي: فأمسى إلى
جانب نهر ومرعى، فنزل به/ تاريخ الإسلام، الذهبي: كان
يوماً إلى جانب نهر
وبيده كراريس يطالع/ الكامل في التاريخ، ابن الأثير : وكانت
عدة القتلى، سوى من كان إلى جانب البحر،
نحو عشرة آلاف قتيل، فأمر بهم، فألقوا في النهر الذي يشرب الفرنج
منه/ تفسير ابن كثير: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
"يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد - أو
إلى جانب لد
- "/ صحيح البخاري: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:بينا نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في
الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر /صحيح البخاري: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت ثم لأريتكم قبره،
إلى جانب الطريق
تحت الكثيب الأحمر)./ صحيح البخاري: .. كما تنبت الحِبَّة
في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب
الصخرة، إلى جانب الشجرة/
صحيح مسلم: .. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ".. فينبتون
فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل
"/ مجمع الزوائد
: واغتسل الرجل في نهر إلى جانب داره/
سير أعلام النبلاء للذهبي: قَالَ الضَّحَّاكُ بنُ عُثْمَانَ:
رَأَيْتُهُ يَعِظُ فِي المُصَلَّى
إِلَى جَانِبِ المِنْبَرِ/ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،
الهيتمي: وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب
إلى جذع
المسجد/ وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب
إلى جذع
المسجد/ زهر الأكم في الأمثال و الحكم – اليوسي: وقال يزيد
بن مفرع الحميري: سقى الله دارا لي وأرضا تركتها ...
إلى جنب دار
معقل بن يسار].
[19]
[الاشتقاق
لابن دريد: ومنهم: أبو نُخيلَة الراجز، وكان يُطعَن في نسبه،
وإنّما كُني بهذا لأنَّ أمه ولدته في أصل نخلة/تاريخ دمشق
لابن عساكر : أبو نخيلة .. وولدته أمه في أصل نخلة فسمته أبا
نخيلة/ المؤتلف والمختلف - ابن القيسراني: من يقال له أبو نخيلة
منهم أبو نخيلة الراجز واسمه يعمر ..يكنى أبا نخيلة لأنه ولد في
أصل نخلة/ المخصص - ابن سيده: فزعم أبو سعيد السّيرافي أن أبا
نُخيلة وُلد عند أصل نخلة فسُمي أبا نخيلة]. ومثله نبختنصّر [الروض
الأنف: وَبُخْتُنَصّرَ .. ، وَأَخَذَ اسْمَهُ مِنْ بوخت وَهِيَ
النّخْلَةُ لِأَنّهُ وُلِدَ فِي أَصْلِ نَخْلَةٍ].
[20]
[ خزانة
الأدب، عبد القادر البغدادي: و"أبو نخيلة"
بضم النون وفتح الحاء المعجمة، اسم الشاعر لا كنيته. كذا في
الأغاني. وقال ابن قتيبة: اسمه يعمر، وكنى أبا نخيلة لأن أمه ولدته
إلى جنب نخلة. ويكنى أبا الجنيد
وأبا العرماس/ الشعر والشعراء، ابن قتيبة الدينوري: أبو نخيلة
الراجز : اسمه يعمر. وإنما كن أبا نخيلة لأن أمه ولدته
إلى جنب نخلة/ أنساب الأشراف،
البلاذري: ومن بني مخاشن: أبو نخيلة الراجز، واسمه معمر، وكني أبا
نخيلة لأنه ولد
إلى جنب نخلة]
[21]
الموطأ،
للإمامِ مالك، برواية الإمام محمَّد بن الحَسَن ، المجلد الأول.
مقَدمة: ..السيوطي الشافعي، .. وكان يلقَّب بابن الكتب، لأن أباه
كان من أهل العلم، واحتاج إلى مطالعة كتاب فأمر امرأته أن تأتي به
من بين كتبه، فذهبت لتأتي به، فأجاءها المخاض،
وهي بين الكتب، فوضعته
[22]
لا نجد في
حكاية السيوطي - في عبارة (فأجاءها المخاض) والتي تقلّد قصة مريم-
المعنى الذي فهمه المفسرون (أي معنى الإلجاء والاضطرار والدفع
والسوق إلى مكان ما). ولكن وجدنا فقط: (فأجاءها المخاض)، ثم
لم ترتبط هذه العبارة بالدفع والسوق إلى بين الكتب. مع
ملاحظة أن كاتب الحكاية ربما قصد من (فأجاءها المخاض) معنى
الاضطرار والدفع، ولكن ليس للمكان، وإنما للولادة.
[23]
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : فَكَانَ كلما
ركب أَمْشَاهُم بَين يَدَيْهِ/ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :
وأمشاه بين يديه طول الطريق إلى داره/ تفسير ابن عطية : «أليس الذي
أمشاه في الدنيا على رجلين قادرا أن يمشيه في الآخرة على وجهه» ؟
[24]
بصائر ذوي التمييز : ومشت المرأَةُ مَشَاء:
كثرت أَولادها فهى ماشية./ أساس البلاغة - الزمخشري: ناقة ماشية:
ولادة/ الصحاح : ومَشَتِ المرأةُ تَمْشي مَشاءً ممدوداً، إذا كثَر
ولدها. وكذلك الماشية إذا كثر نسلها.