نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

ما دليل أن العذرة كناية؟

 

قال أهل اللغة أن العذرة في أصلها وحقيقتها هي فناء الدار

قيل عن العذرة (التي يراد بها الفضلات الخارجة من الدبر) أنها كناية، من أصل فناء الدار: (أصل العَذِرَةُ فِناءُ الدار)1  

 

حسب كلام العرب: العذرة هي ما خرج من الدبر

العذرة والعاذر (بمعنى ما يخرج من الجسم من فضلات) هي كلمة أصلية حقيقية لغوياً : (العذرة البدا/ أعذر أبدى/ أعذر أحدث/السلح العذرة)2

 وأما قول اللغويين أن العذرة في الأصل هي فناء الدار، فلا دليل عليه. وكذلك قولهم أن العذرة كناية، لا دليل عليه. فكلمة العذرة (بمعنى ما خرج من الدبر) هي حقيقة لغوية مستقلة عن فناء الدار (لا علاقة مصاحبة لها به)، وهذا مثال لتأييد ذلك:

 

(العاذر) لا علاقة له بفناء الدار:

العاذر عرق (يخرج منه دم ...)3. فنجد عاذر (دم الاستحاضة) لا يبعد كثيراً (في معناه) عن عاذر (فضلات الجسم). فإذا كان الأخير من فناء الدار، فلماذا الأول ليس منه؟

  

جذر (عذر) فيه معنى : قطع، نصل، خرج، رمى، ترك، فلت، ...

قد يكون لفظ (عاذر، عذرة) من: الخروج والإلقاء والرمي والترك والانفلات وما أشبه4، ومن التنصل5، ومن القطع6. فلعل الفضلات الخارجة من الجسم سميت (عذرة) لأنها (خرجت، نصلت ، انقطعت ، رميت ، ....) من الجسم.

فيبدو أن لفظ (عذرة، عاذر، عاذرة) هو لفظ أصلي حقيقي بمعنى ما يخرج (ينصل، ينقطع، ..) من داخل الجسم من فضلات، ولكن اجتهاد أحد أو بعض متقدمي اللغويين جعل العذرة (فضلات الجسم الخارجة) من أصل العذرة (فناء الدار)، ثم قلّدهم المتأخرون. 

لكن الأصل هو معنى الكلمة التي من جذر (عذر)، ثم رأت العرب أن (معنى الكلمة) يناسب أشياء عديدة (سواء كان فناء الدار، أو ما يخرج من الجسم من فضلات، أو غير ذلك). وليس أحد تلك الأشياء (التي ناسبها ذلك المعنى) أحق به من غيره. أي ان (فناء الدار) ليس أحق بمعنى كلمة عذرة، من (الفضلات الخارجة من الدبر). فكلاهما يناسبه ذلك المعنى لكلمة عذرة. والعرب أطلقت اسم العذرة على كليهما، فمن أين جاء اللغويون والفقهاء بحكاية أن الأصل هو فناء الدار؟

وقد خالف الجوهري في صحاحه (ربما سهواً عن غير قصد) ما أجمع عليه اللغويون أن أصل العذرة هو فناء الدار، فذكر ما يتضمن أن الأصل هو ما خرج من الجسم (والعذرة: فناء الدار، سميت بذلك لأن العذرة كانت تلقى في الأفنية)7.  


(1) العين: أصل العَذِرَةُ فِناءُ الدار ثم كنّوا عنها باسم الفِناء/ المخصص: الغائِط - أصله المطمَئِنُّ من الأرض ...ونظيرُ ذلك العَذِرة لأن العَذِرة الفِناء وإنما سُمِّي ذلك الشيءُ عَذِرة لأنه كان يُلْقَى بالأَفْنَية/ المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده : والعَذِرَة: فناء الدار، وقيل: هذا الأصل ثم سمى الغائط عذرة لأنه كان يلقى بالأفنية./ غريب الحديث لابن سلام : وكذلك العذرة إنما هي فناء الدار، فسميت به لأنه كان يلقى بأفنية الدور.

(2) العين: العَذِرةُ : البَدَاِ أعذر الرّجلُ إذا بدا وأحدث من الغائط .. والعاذرُ والعَذِرَةُ هما البَدا أيضاًِ وهو حَدَثه/ القاموس: أعْذَرَ أبْدَى عُذْراً، وأحْدَثَ / تاج العروس: أَعْذَرَ الرجُلُ : أَحْدَثَ ... وقال ابنُ الأعْرَابِيّ : العَذْرُ : جمع العاذِرِ وهو الإِبداءُ/ مجمع الأمثال : سمي الخرء بعينه عَذِرة./ المحيط في اللغة: والعاذر والعاذرة والعذرة: الحدث. وقد أعذر. أي أحدث./ والسلح والسلاح: معروف، أي العذرة./تاج العروس: العَاذِرَةُ : ذُو البَطْنِ وقد أَعَذَرَ/الصحاح :الخرء بالضم: العذرة/ الاشتقاق: والعاذر: ما يلقيه الإنسان من بطنه.

(3) اللسان: العاذِرُ: العِرْقُ الذي يخرُج منه دمُ المستحاضة، واللام أَعرف. والعاذِرةُ: المرأَة المستحاضة/ المعجم الوسيط: العاذل العاذر وهو عرق يسيل منه دم الاستحاضة/مجمل اللغة : ويقال: إن العاذرة: المرأة المستحاضة

(4) المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده : عَذِرَةُ الطعام: أردأ ما يخرج منه فيرمى به. هذا عن اللحياني/ تاج العروس: اعْتَذَرَ العِمَامَةَ : أَرْخَي لها عَذَبَتَيْن من خَلْفٍ أَورَدَه الصاغانِيُّ أَيضاً/ المحيط في اللغة: والعذرة: ما يخرج من البر والطعام مثل الحفالة إلا أنه أردأ منها.

(5) تاج العروس: تَعَذَّرَ : تَنَصَّلَ/ يُقال : تَعَذَّرُوا عليه أَي فَرّوا عنه وخَذَلُوه/ المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده : اعْتَذَرَ من ذنبه وتَعَذَّرَ: تنصل/ المعجم الوسيط: واعتذر عن فعله تنصل

(6) المحيط في اللغة: وأصل العذر: القطع./ االلسان: العاذُورُ: ما يُقْطع من مَخْفِض الجارية. ابن الأَعرابي: وقولهم: اعْتَذَرْت إِليه هو قَطْعُ ما في قلبه. ويقال: اعْتَذَرَت المياهُ إِذا انقطعت. والاعْتِذارُ: قطعُ الرجلِ عن حاجته وقطعُه عما أَمْسَك في قلبه. / الدر المصون في علوم الكتاب المكنون : العَذْر وهو القطع، ومنه العُذْرة لأنها تُقْطع بالافتراع.   

 (7) شرح مختصر الروضة : قال الجوهري: والعذرة: فناء الدار، سميت بذلك، لأن العذرة كانت تلقى في الأفنية، وهذا قاطع في أن أصل وضع العذرة للخارج المستقذر، ثم سمي به فناء الدار للمجاورة.

حامد العولقي