نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

ما دليل أن النجو كناية؟

 

النجو الذي هو (ما يخرج من فضلات من الإنسان)، جعله اللغويون (كعادتهم في مثله)، من أصل1 النجو والنجوة والنجاة (مرتفع من الأرض). فقالوا النجو كناية2، وأن أصله من التستر بنجوة3.

 

ولكن لماذا لا يكون النجو كلمة أصلية حقيقية مستقلة من أصل خروج الفضلات من الجسم4 ؟ فاللغة تستعمل النجو بمعنى ما يخرج من الدبر5، فمن أين قلنا أن هذا ليس حقيقة، وأنه كناية ومجاز، من أصل المكان (النجوة المرتفع)؟ ولماذا (ارتفاع الأرض) أحق بكلمة (نجو) من (الخارج من الدبر)؟

 

ونظرية أن النجو في أصله من المكان (النجوة)، لا تنطبق مثلاً على نجو السبع والفيل والبعير والكلب وغيره6، لأن الحيوان لا (يتستر بنجوة)7 من الأرض.

ونفس الفعل (أنجى)، استعملته العرب في العرق8 وفي السلح (أنجى، إذا عرق، وأنجى، إذا سلح/ تهذيب اللغة). فهل كان الإنسان يستتر بنجوة (مرتفع) ليعرق؟ أم هل نقول بسلسلة أن (أنجى =عرق)] كناية عن (أنجى =سلح) كناية عن (النجو =المكان المرتفع)؟

  

 

أصل النجو (ما خرج من الدبر) هو المعنى الكامن بالكلمة وليس المصاحبة

الأصل في النجو (فضلات الجسم الخارجة) هو المعنى الذي في كلمة (نجى، أنجى) وهو معنى (الطلوع والخلاص9 والخروج10 والسلخ11 والقطع12 والإلقاء13 والإزالة14 والانفصال15). وهذا المعنى يناسب (ما يخرج ويخلص ويلقى ويقطع) من داخل الإنسان (من فضلات).

فهذا هو سبب وأصل كلمة نجو (الذي بمعنى ما خرج من فضلات من الإنسان). أي أن (تلك الفضلات) : خرجت من الجسم، أو تخلص منها، أو انقطعت منه، أو انفصلت، أو أزالها الجسم، ...الخ. وكل هذه المعاني كامنة في كلمة (نجو).

فلا علاقة ولا مصاحبة لكلمة نجو (الفضلات من الإنسان) بكلمة نجو (مكان مرتفع). وإنما ذلك المكان المرتفع شيء آخر ناسبه المعنى الذي في كلمة (النجو: كالخلاص أو الانفصال16)، فتشابهت هذه مع هذه دونما علاقة مجاورة ومصاحبة.

ومثله الاستنجاء17 أي التخلص من الأذى وقطعه18 وإخراجه19. و(النجاة من الخطر) أي الخلاص منه.

والنجوى والنجو (كلام سري) لأن أصحابه (خلصوا به وانقطعوا وانفصلوا به) عن الآخرين (خلصوا نجيا) فجعلوه بينهم وحدهم لا يسمعه غيرهم. ولكن نظرية النجو (المكان المرتفع) طالت حتى المناجاة (ونَاجَيْتُهُ. أي: سارَرْتُه، وأصله أن تخلو به في نَجْوة من الأرض/ المفردات في غريب القرآن)20.

 

و(نجا) يبدو لغة في (نقا)21 أو غير بعيد من ذلك. ولعل مثل أنجى، لفظ نجّ (إذا سال الجرح بما فيه، قيل: نَجَّ)22، وهو خروج من داخل الجسم.

فيتضح أن (أنجى) من أصل أخرج (فضلات جسمه) أو أن الغائط (الفضلات) نجا (خرج، بدا، ظهر، انفصل، انقطع، زال، ..) منه، ولا علاقة لذلك بالنجوة (ربوة، مرتفع) للتستر. 


  (1) أدب الكاتب : وأصله من النَّجْوة، وهي الارتفاع من الأرض، وكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته تستَّر بنجوة.

  (2) تاج العروس: من الكناية (نجا فلان) ينجو نجوا إذا (أحدث) من ريح أو غائط يقال مانجا فلان منذ أيام أي ما أتى الغائط/ مفردات القرآن للراغب الأصفهاني: وكني عما يخرج من الإنسان بالنجو/ شرح السنة للبغوي :والنجو كناية عن الحدث/ بصائر ذوي التمييز : والنَّجْوَ: ... ويُكْنَى به عمّا يخرج من الإنسان

  (3) غريب الحديث لابن سلام و غريب الحديث لابن قتيبة : والاستنجاء التَّمَسُّح بالأحجار وأَصلُه من النَّجْوة وهو ارتفاع من الأرض وكان الرجل إذا أراد قضاء حاجته تَسَتَّر بنجْوَة ... ثم سُمّيَ الحَدَثُ نَجْواً / طلبة الطلبة للنسفي: قَالَ صَاحِبُ مُجْمَلِ اللُّغَةِ النَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ وَقَالَ الْقُتَبِيُّ أَصْلُهُ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ الِارْتِفَاعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَسَتَّرَ بِنَجْوَةٍ/ المغرب في ترتيب المعرب - المطرزي : النَجْو: ما يخرج من البطن .. يُقال: نجا و أنجى إذا أحْدث وأصله من (النَّجوة) لأنه يَستتِر بها وقتَ قضاءِ الحاجةِ/ والاسْتِنجاءُ: اسْتِخْراج النَّجْو من البطن، وقيل: هو إِزالته عن بدنه بالغَسْل والمَسْح، وقيل: هو من نَجَوْت الشجرة وأَنْجَيتها إِذا قطعتها، كأَنه قَطَعَ الأَذَى عن نفسه، وقيل: هو من النَّجوة، وهو ما ارْتَفع من الأَرض كأَنه يَطلُبها ليجلس تحتها.

  (4) حاشية الجمل: وَفِي الْمُخْتَارِ وَالنَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ .. وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنَجَا الْغَائِطُ نَجْوًا ... خَرَجَ / تاج العروس: نجا الحدث وفى الصحاح الغائط نفسه خرج/ البناية شرح الهداية :والنجو ما يخرج من البطن، يقال: نجى وأنجى إذا أحدث، يقال: نجى الغائط نفسه ينجو./ تهذيب الآثار مسند ابن عباس : أنجى فلان، إذا خري، فهو ينجي إنجاء، وهو نجو فلان، ويقال: ضرب فلان فلانا حتى أنجى/ عمدة القاري : يخرج مَا فِي المصارين من النجو

  (5) المحكم والمحيط الأعظم :والنجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط./ مجمل اللغة : والنجو: ما خرج من البطن. / العين : والنَّجو: ما خَرَجَ من البطن من ريحٍ وغيرها، والنَّجو: استطلاقُ البطن، وقد نجا نجوا./ تاج العروس : ويقال: أنجى الغائط نفسه. وفي حديث بئر بضاعة: (تلقى فيها المحايض وما ينجي الناس)، أي يلقونه من العذرة. يقال: أنجى ينجي إذا ألقى نجوه./ [جمهرة اللغة : واحتبس نجوه في بطنه./ والنجو: ما يلقى من ذي البطن]/ تاج العروس :وقال بعض العرب: أقل الطعام نجوا اللحم، النجو هنا العذرة نفسها./ شرح ابن ماجه لمغلطاي : يقال شرب دواء ما أنجاه أي ما أسهل بطنه

  (6) الصحاح في اللغة – الجوهري: نَجْوُ السَبُعِ: جَعْرُهُ/ تهذيب اللغة – الأزهري: وقال ابن الأعرابي: نَجْو الفيل الضَّفْع/ مقاييس اللغة لابن فارس: وهو احتباس نَجْو البعير/ المخصص : النَّجْو - مَا يَخْرُج من بَطْن الْإِنْسَان وَغَيره وَقد نَجَا الْإِنْسَان والكَلْبُ

  (7) فهل تعبير (نجو الحيوان) لم تنطق به العرب إلا بعد أن تستر الإنسان بنجوة (ربوة مرتفع) وكثر ذلك في كلامهم لطول المصاحبة حتى اشتق منه نجو الإنسان، ثم استعير بعد للحيوان؟

  (8) تهذيب اللغة – الأزهري: ثعلب عن ابن الأعرابي: أنجي، إذا عرق/ أنجى، إذا استخرج عرق فرسه

  (9) المحكم والمحيط الأعظم : النجاء: الخلاص من الشيء./ واستنجى منه حاجته: تخلصها، عن ابن الأعرابي.وانتجى متاعه: تخلصه وسلبه، عن ثعلب]./ تاج العروس: نجوت الشئ نجوا خلصته والقيته/ مشارق الأنوار : فالنجا ... يَعْنِي التَّخَلُّص وَكَذَلِكَ النجَاة ... نجا من الْمَكْرُوه نجاء خلص/ تاج العروس : نجا من كذا.. خلص منه .. النجاة الخلاص

  (10) تاج العروس :  أجد نجوي أكثر من رزي أي ما يخرج مني أكثر مما يدخل./ الاستنجاء استخراج النجو من البطن/ شرح ابن ماجه لمغلطاي : الاستنجاء: الاستخراج؛ لنجو البطن وهو ما يخرج منه/ كتاب الأفعال : و "نجا" ... والغائط نجّواً خرج/ المصباح المنير : ونجا الغائط نجوا من باب قتل خرج/ القاموس المحيط : ونجا الحدث: خرج.

  (11) العين: النَّجا : ... أو ما سَلَخْته عن الشّاه  وتقول : نجوتُ الجِلْدَ أَنْجُوهُ إذا كشطته/المحكم والمحيط الأعظم : النجا: ما سلخ عن الشاة أو البعير.

  (12)  المحكم والمحيط الأعظم : وناقة ناجية، ونجاة: سريعة. وقيل: تقطع الأرض بسيرها. /  المعجم الوسيط: النجاء الإسهال أو داء يورثه النجا ما قطع من الشيء وألقي يقال نجا الشجرة عيدانها وغصونها المقطوعة ]. / الصحاح : ونجوت غصون الشجرة، أي قطعتها. ... وأنجيت قضيبا من الشجرة، أي قطعت./ مجمل اللغة : أنجني عصاً، أي: اقطعها لي.

  (13) المحكم والمحيط الأعظم : والنجا، أيضا: ما ألقى عن الرجل من اللباس./ العين: النَّجا : ما أَلْقَيْتَه عن نَفْسك من ثِياب/ تاج العروس: ونجوت الشيء نجوا: خلصته وألقيته/ المحيط في اللغة:ونجوت عنه كذا: ألقيته.

  (14) مشارق الأنوار : والاستنجاء ...  وَأَصله من النجو وَهُوَ القشر والإزالة

  (15) تاج العروس : أصل النجاء الانفصال من الشيء

  (16) تاج العروس : وقال الراغب: النجوة والنجاة المكان المنفصل بارتفاعه عما حوله؛ وقيل: سمي بذلك لكونه ناجيا من السيل، انتهى.

  (17) العين : والاستِنجاءُ: التَّنظُّفُ بمدرٍ أو ماء

  (18) المحكم والمحيط الأعظم : والاستنجاء: ...وقال كراع: هو قطع الأذى بأيهما كان./ الصحاح: استنجيت الشجر: قطعته من أصوله

  (19) المحيط في اللغة:والاستنجاء: الاستخراج

  (20) التحرير والتنوير : والنجوى مصدر، هي المسارة في الحديث، وهي مشتقة من النجو، وهو المكان المستتر 

  (21) اللسان: وهو النُّقاية، لأَن فُعالة تأتي كثيراً فيما يَسقُط من فَضْلة الشيء...ونَقاةُ الطعام: ما أُلقِيَ منه، وقيل: هو ما يَسْقُط منه من قُماشه وتُرابه؛ عن اللحياني، ...الأَموي: النَّقاةُ ما يُلْقى من الطعام إِذا نُقِّيَ ورُمِيَ به؛ قال: سمعته من ابن قَطَريٍّ،..قال ابن الأَثير: هو بفتح النون، الذي يُنَقِّي الطعام أَي: يخرجه من قشره وتبنه.  

  (22) [ تهذيب اللغة – الأزهري:  أبو عبيد عن الأصمعي: إذا سال الجرح بما فيه، قيل: نَجَّ يَنِجُّ نَجِيجاً/ الصحاح في اللغة – الجوهري:  نَجَّتِ القَرْحَة تَنِجُّ بالكسر نَجيجاً: سالَتْ بما فيها./ المخصص - ابن سيده : أبو زيد، نَجَّت الأُذُن تَنِجُّ نَجَّاً إذا سال منها الدَّمُ والقَيْح]

 

حامد العولقي