مُضَر
مضر اسم أرض
كان القدماء عموماً في
أكثر الأحيان يظنون أن أي شعب هم أولاد وذرية رجل قديم (جد، والد، أب).
وبما أنهم لا يعلمون اسم ذلك الرجل الغابر الذي ولد ذلك الشعب،
فلابد أن يسموه باسم أولاده (أي باسم ذلك الشعب). فالعرب سمّوا والدهم يعرب
واليهود سمّوا والدهم يهودا والروم سمّوا موسسي بلادهم روموس
ورومولوس. ونفس الأمر حدث مع بقية القبائل العربية كقبيلة أو شعب
مضر، حيث جعلوا (مضر) اسم رجل ولد شعب مضر
وسمّوه باسمهم.
والأقرب أن الاسم
مضر
في الأصل اسم أرض، من معنى أنها أرض فيها
جوع
(فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَلَى مُضَرَ ... فابتُلُوا
بِالْجُوعِ)1،
وأرض فيها
قحط
(اللهم اشدد وطأتك على مضر .. فابتلاهم الله بالقحط)2،
وأرض فيها
جدب
(اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُضَرَ بِالسَّنَةِ» السَّنَةُ:
الجَدْبُ،
يُقَالُ أخذتْهم السَّنة إِذَا أجْدبوا
وأُقْحطُوا)3،
(فشكت إِلَيْهِ
جَدب الْبِلَاد)4،
وأرض فيها فاقة
(كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من
الفاقة)5.
فيبدو أن مضر بمعنى أرض قد هلك زرعها
(مَضَّرها أَهلكها)6،
(اللهمِ اشدد وطأتك على مُضَرَ ... فابتلاهم
اللَه بالجرب والهلاك)7
فهي ممحلة قاحلة قشراء8.
والأخبار عديدة بهذا المعنى (أغِث
مُضَراً إنَّ السنينَ تتابعتْ ... علينا)9.
وأرض مضر جزء من أرض نزار، ولذلك قيل (مضر بن نزار)،
وكلا الاسمين مضر ونزار من معنى أرض فقيرة جدب غير ذات زرع شحيحة
الموارد الطبيعة.
مضر الحمراء
وقيل حمراء من معنى
الذهب أو الراية الحمراء أو قباب الأدم ..الخ. ولكن
تسمية أرض مضر
بالحمراء ليس إلا توكيداً لمعنى مضر أنه من الفقر
والقحط والجدب والمحل
(الحَمْراءُ: .. السَّنَةُ
الشديدَةُ/القاموس)،
(أَصابتنا سنة حمراء أَي
شديدة الجَدْبِ)10.
معاني في جذر مضر
وعلاقتها باسم أرض مضر
جذر مضر متعلق بمعنى
(اللبن البحت الصريح)11، ولعله من مثل هذا اسم أرض مضر، أي أنها أرض
بحت
(خالية من الماء والزرع).
ويتعلق جذر مضر
بالصفاء12، ومنه اسم أرض مضر،
لصفائها من الماء والنبات.
وجذر مضر بمعنى (طاب)13
الذي يتعلق بالصفاء والنقاء، ومنه صفاء ونقاء أرض مضر من الماء والزرع.
وجذر مضر متعلق
بالبياض14 (المضر:
الْأَبْيَض)15. والبياض فيه معنى النقاء16 والفراغ17
والخراب18 (الأرض الخراب الموات)، والاستئصال19، والأرض القحط التي لا نبات
فيها20. وكل هذا يعني أن
تسمية أرض مضر من بياض الأرض (نقائها وفراغها
وخلوها من النبات والغذاء).
وجذر مضر متعلق
بالشدة
وأظنه شدة طبيعة الأرض وقسوتها ووطأتها وغضبها21 على قاطنيها في الأصل ثم
انعكس ذلك على أهل مضر (وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مُضَرُ لِشِدَّتِهَا)22.
وجذر مضر متعلق بالهلاك
والهدر23 وكأن مياه الأرض ومواردها مهدورة ضائعة فلا يتوصل إليها أو لا
يُستفاد منها
وجذر مضر مرتبط
بالقلة
(والمُضَارَةُ من الكَلإِ: كاللُّعَاعَة)24، واللعاعة النبت والكلأ
القليل25.
وجذر مضر متعلق
بالحموضة والقرص واللذع والحرق كجذر مضض26 وهذا يصب في معنى أن الأرض
كأنها قد احترقت وتآكل زرعها ونبتها (مُضَرُ مَضَّرَهَا اللَّهُ فِي
النَّارِ) 27.
نقشان حميريان يذكران
شعب مضر
يبدو أن قبيلة مضر
(وقد تبدو كتابة الاسم: مذر)
ذكرت في نقش بوادي مأسل
(نجد)،
وذلك أثناء حملة قام بها ملك حمير لصد المنذر
[Ry 510
:
معدكرب يعفر ملك سبأ وذريدن
وحضرمت ويمنة وأعربهمُ طود
ۢ
وتهمة هورو ووتف ذن مسند
ۨ بمأسل جمح
ۨ .. وحربهمُ مذر ۢ (= المنذر)
وسبأو (= غزوا ، حملوا، طرقوا)
بشعبهمُ سبأ وحمير ۢ
ورحبة
ۨ وحضرمت ويحن وبعم
(= وبمع)
أعربهمُ كدة ومذحج ۢ وبعم (= وبمع)
بني ثعلبة ومضر
(= أو مذر؟)
وسبع]. ويبدو من سياق النقش أن مضر
(مذر؟)
انضمت وتحالفت وقاتلت مع جيش حمير.
والنقش الآخر
(نقش عزلة العرافة، محافظة إب/العرافة1)
ذكر شعب مضر أثناء حملة ضد النعمان: [نعمن
ۨ، ومضر
بمأسل ۢ،
مأسل جمح ۢ].
والنقشان من موقع CSAI: Corpus of South Arabian Inscriptions
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير:
فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُضَرَ «اللَّهُمَّ اجْعلْها
عَلَيْهِمْ سِنينَ كَسِني يُوسُفَ، فابتُلُوا بِالْجُوعِ حَتَّى أكَلُوا
العِلْهِز» هُوَ شَيْءٌ يَتَّخِذونه فِي سِنِي المجَاعَة
(2)
تفسير الزمخشري : «اللهم اشدد وطأتك على مضر
واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف
والكلاب والعظام المحترقة والقدّ/ مشارق الأنوار - القاضي عياض :
اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر ... الْوَطْأَة هن الْعقُوبَة
وَالْمَشَقَّة وَأَرَادَ بهَا ضيق الْمَعيشَة
(3)
النهاية في غريب الحديث لابن الأثير:
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُضَرَ بِالسَّنَةِ»
السَّنَةُ: الجَدْبُ، يُقَالُ أخذتْهم السَّنة إِذَا أجْدبوا وأُقْحطُوا/
الفائق للزمخشري: اللَّهُمَّ أعنِّي على مُضر بالسَّنة فجَاء مُضَرِي
فَقَالَ: يَا نَبِي الله وَالله مَا يخْطر لنا جمل وَمَا يتزود لنا رَاع
(4)
غريب الحديث لابن قتيبة : حليمة قدمت على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ جَدب الْبِلَاد
(5)
مسند أحمد: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي
النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة/ نفح الطيب –
التلمساني: مجتابي النمار، ...
يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم
(6)
اللسان/ القاموس: ومَضَّرَها تَمْضِيراً:
أهْلَكَها
(7)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج : اللهمِ اشدد
وطأتك على مُضَرَ واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فابتلاهم اللَه بالجرب
والهلاك وذَهَابِ الأقواتِ
(8)
جمهرة الأمثال - العسكري: وأرضه قشراء
(9)
الأزمنة والأمكنة - المرزوقي :
أغِث مُضَراً إنَّ السنينَ تتابعتْ ... علينا بدهرٍ يكسرُ العظم
جابِره
(11)
لسان العرب : الْمَضِيرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ
أَن تَطْبُخَ اللَّحْمَ بِاللَّبَنِ الْبَحْتِ الصَّرِيحَ
(12)
تاج العروس : مُضارُ اللَّبَنِ: مَا سَالَ
مِنْهُ إِذا حَمُض وصَفا.
(13)
لسان العرب :
مَضَّرَ اللهُ لَكَ الثَّنَاءَ أَي طَيَّبَه.
(14)
المحكم والمحيط الأعظم : مَضَرَ اللَّبنُ
يَمْضُرُ مُضُوراً حَمُضَ وابْيَضَّ
(15)
خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي :
المضر: الْأَبْيَض.
(16)
تاج العروس : من المَجَاز: الأَبْيَضُ:
الرَّجُلُ النَّقِيُّ العِرْضِ. قَالَ الأَزْهَرِيّ: إِذا قالَت العَرَبُ
فُلانٌ أَبْيَضُ، وفُلانَةُ! بَيْضَاءُ، فالمَعْنَى
نَقَاءُ العِرْضِ من
الدَّنَسِ والعُيُوبِ
(17)
تاج العروس : بَيَّضْتُ الإِنَاءَ، إِذا
فَرَّغْتَهُ/ تاج العروس : بَيَّضَه أَيضاً، إِذا
فَرَّغَهُ
(18)
تاج العروس :
البَيْضَاءُ: الخَرَابُ من
الأَرْضِ، ... البَيْضَاءُ والسَّوْدَاءُ، أَرادَ الخَرَابَ والعَامِرَ من
الأَرْضِ، لأَنَّ المَوَاتَ مِنَ الأَرْضِ يَكُونُ أَبْيَضَ
(19)
تاج العروس : ابْتَاضَ القَوْمَ، أَي
اسْتَأْصَلَهُمْ. يُقَال: أَوْقَعُوا بهِم {فابْتاضُوهُم، أَي
استَأَصَلُوا بَيْضَتَهُم} فابْتِيضُوا: اسْتُؤْصِلُوا
(20)
تاج العروس : وأَرْضٌ {بَيْضَاءُ: مَلْسَاءُ
لَا نبَاتَ فِيهَا/ تاج العروس : وبَاضَتِ الأَرْضُ: اصْفَرَّتْ
خُضْرتُهَا، ونَفَضَت الثَّمَرةَ وأَيْبَسَتْ/ تاج العروس :البَيْضَةُ:
أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا نَباتَ فِيهَا ... وَهِي أَرضٌ بَيْضَاءُ سَهْلٌ لَا
نَبَاتَ بِها.
(21)
تاج العروس : وتَمَضَّرَ فلانٌ:
تَغَضَّبَ
(22)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير
–الفيومي: لَبَنٌ مَاضِرٌ وَمَضِيرٌ أَيْ حَامِضٌ وَمِنْهُ
سُمِّيَتْ
مُضَرُ لِشِدَّتِهَا.
(23)
القاموس المحيط : وذَهَبَ دَمُهُ خِضْراً
مِضْراً، بالكسر وككَتِفٍ، أي:
هَدَراً.
(24)
المحيط في اللغة-الأزهري:
والمُضَارَةُ من
الكَلإِ: كاللُّعَاعَة. وهو في الماءِ: نِصْفُ الشُّرْبِ أو أقَلُّ.
(25)
الجيم : واللُّعَاعَة: النبَّتُ
القليل./
لسان العرب : واللُّعاعةُ الكَلأُ الْخَفِيفُ
(26)
المعجم الوسيط : (المضض) اللَّبن الحامض
(27)
مختار الصحاح : فِي الْحَدِيثِ: « (مُضَرُ)
(مَضَّرَهَا) اللَّهُ فِي النَّارِ» نَرَى أَصْلَهُ مِنْ مُضُورِ
اللَّبَنِ وَهُوَ قَرْصُهُ اللِّسَانَ وَحَذْيُهُ لَهُ
حامد العولقي