معنى آيات الكتاب
قد يأتي الكتاب بمعنى غير معنى (كل القرآن)
كلمة (كتاب) بالقرآن، قد تعني (كل القرآن)، كما
هو معروف، أو أي كتاب من كتب الله الأولى كالتوراة والإنجيل.
ولكن أيضاً كلمة (كتاب)، لها معان أخرى. فمثلاً الآية [إِنَّ
الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا
مَوْقُوتًا (103) النساء]، فالكتاب هو الصلاة، وهو بمعنى (فرض،
فريضة). أي أن الله (كتب
علينا) الصلاة، أي
فرضها وأوجبها
وألزمنا بها.
وفي هذه الآية [لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ
اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)
الأنفال]، جاءت كلمة كتاب بمعنى (قضاء، حكم، ما كتبه الله على نفسه من
الرحمة، ...).
والآية [كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
(24) النساء]، تأتي فيها كلمة كتاب بمعنى (فريضة، أمر الله، فرض الله، حكم
الله، ...).
وفي هذه الآية [وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا
كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) الحجر]، أتت كلمة
كتاب بمعنى (أجل، مدة، وقت، ميعاد كتبه الله وحدده، ...).
كما قد تأتي كلمة كتاب بمعنى (خط، مخطوط، رسالة مكتوبة، صحيفة)، مثل:
[قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ
كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) النمل]
أو بمعنى (عِدّة، فرض، ما كتب على الأرملة من التربص، مدة مفروضة)،
مثل: [وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْكِتَابُ أَجَلَهُ (235) البقرة]
أو بمعنى (مُكَاتَبَة، كتابة، اتفاق وتعاقد)، مثل: [وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ (33) النور]
وغير ذلك من المعاني. فعرفنا أن كلمة (كتاب)، لا تأتي دائماً بمعنى (كل
القرآن).
ولذلك علينا أن نتمعن في معنى كلمة كتاب في الآيات التي
تقترن فيها
كلمتي الكتاب والحكمة، كهذه الآيات التي تقصد القرآن:
وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (129) البقرة،
(2) الجمعة، (164) آل عمران
وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (151) البقرة
وَمَا أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ
(231) البقرة
وَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
(113) النساء
أو كهذه الآيات التي تقصد كتب الله الأولى:
آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
(54) النساء
وَيُعَلِّمُهُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالْإِنْجِيلَ (48) آل عمران
وَإِذْ
عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (110) المائدة
وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ (81) آل عمران
كما هو معروف، كلمة الكتاب قد تأتي في بعض الآيات بمعنى (كل القرآن)،
ولكن هذا المعنى قد لا يأتي في آيات أخرى. فمثلاً، عندما
تجتمع وتقترن
كلمتا (الكتاب والحكمة) معاً في آية واحدة (كما في الآيات السابقة)، فإن
كلمة (الكتاب) في هذه الحالة لا يبدو أنها تعني (كل القرآن)[1]،
وإنما فقط تعني (بعض) القرآن، أو (وجه)
و(ناحية) و(جانب) من القرآن.
في هذه الحالة (مثل آيات الكتاب والحكمة)، القرآن لم يُسمّ بكلمة
(الكتاب) فقط، بل كأن
القرآن سُمّي بكلمتين معاً هما (الكتاب والحكمة). فكأن كلمة الكتاب
يُقصد بها (جزء/قسم) من القرآن أو (وجه) منه، وكلمة الحكمة يُقصد بها (الجزء)
الآخر أو (الوجه) الآخر. وبعبارة أخرى كأن
القرآن يتكون من قسمين:
قسم اسمه كتاب، وقسم اسمه حكمة.
فمرة يوصف (كل القرآن) بكلمة (كتاب) فقط، دون تفصيل لقسميه. ومرّة
يوصف القرآن بكلمتي
(كتاب وحكمة)، وكأن المراد بذلك تفصيل محتويات القرآن أكثر، أو
تسمية القرآن بقسميه (توضيح أن القرآن يتكون من جزئين: كتاب وحكمة).
كلمة كتاب
(ونقصد التي تعني جزء من القرآن) يقصد بها الآيات القرآنية
التي فيها (ما كتبه الله علينا من أوامر ونواهي). أي أن (الكتاب) هو تلك الآيات القرآنية التي تنص على ما
فرضه الله
علينا وما حكم به من أوامر أو نواهي، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وطاعة
الله ورسوله والقتال في سبيل الله وإقامة الحدود وما حرم الله وما أحل
...الخ.
فكلمة (الكتاب) في مثل هذه الآيات
(آيات الكتاب والحكمة)، لا تعني
(القرآن كله)، ولكنها بمعنى (ما كتبه الله على عباده)، أي (ما
فرضه وشرّعه
وأوجبه عليهم وأمرهم به وحكم به) من أشياء يجب أن يتقيدوا ويلتزموا بها.
فالكتاب هنا بمعنى
الفرض والأمر والقضاء والتشريع والحكم والتكليف ... الخ.
كلمة (كتاب) التي تأتي مقرونة بكلمة (حكمة) بالقرآن، يمكن تشبيهها
لغوياً بمثل ما تعنيه الكلمة الحديثة (قانون)، أو (تشريع) في أي مجال.
فمثلاً يمكن أن نسمي مواد الدستور (قوانين الدستور وتشريعاته)، بأنها كتاب.
كذلك يمكن أن نسمي قوانين المرور بأنها (كتاب المرور). ومثله: قوانين
العمل، أو قوانين وإجراءات تشغيل آلة معينة أو صيانتها والحفاظ عليها، أو
أي أوامر ونواهي (في أي مجال) لابد من التقيد بها فلا ينبغي الخروج عليها
أو تجاوزها، ولا مجال للجدال حول تطبيقها أم لا. كذلك رب العمل، فإنه فقط
يصدر أوامر لموظفيه وعماله ينبغي عليهم الالتزام بها وتنفيذها، وكذلك
القائد يصدر أوامره لجنوده، وهذه الأوامر يمكن أن نسميها كتاب. فكل هذه
القوانين المُقيِّدة
لأفعالنا، والتي ينبغي الالتزام بها، يمكن أن نسميها (كتاب العمل) أو كتاب
كذا.
فآيات الكتاب هي
فروض وقوانين وثوابت وتشريعات وقيود والتزامات وأوامر وأحكام معينة
محددة لابد من الخضوع لها والتسليم بها وتنفيذها وقبولها [ذَلِكُمْ
حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ (10)
الممتحنة]. فآيات الكتاب ببساطة هي
ما كتبه الله علينا.
وآيات الكتاب
(من حيث عددها)، فإنها تؤلف القسم الأصغر من القرآن. ولو قارنا بين نسبتها المئوية
ونسبة آيات الحكمة، لوجدنا آيات الكتاب ذات نسبة قليلة جداً. وكأن القرآن
قد تعمّد أن يقلل ما فرضه الله علينا وما قيدنا به
(ما كتبه علينا)
إلى أقل حد ممكن [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ (78) الحج].
حامد العولقي