نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

كلمات أعجمية صارت عربية فصيحة

بداية لا أظن أن كل هذه الكلمات معرّبة، ولكن قد يكون أكثرها كذلك. وأظن أن أكثر هذا التعريب (الذي ذكرته المعاجم) حدث بعد الإسلام [الراموز على الصحاح: ونعتبر أن تأثر العربية باللغات الأجنبية قبل الإسلام كان قطرة في محيط التأثر بعد الإسلام]. ونلاحظ أن أكثر المعرّبات بالمعاجم منسوبة للفارسية [تهذيب اللغة: وَمن كَلَام الْفرس مَا لَا يُحصى مِمَّا قد أَعْرَبَتْهُ العربُ]. وهذا بسبب السيطرة الثقافية القوية للعراق (مركز الخلافة). وأريد أن أقول شيئاً غريباً وهو أن الكلمات الأعجمية التي تسربت إلى اللغة العربية الفصحى (سواء التي ذكرتها المعاجم أو التي لا تعرفها)، قد تشكّل ثلث اللغة على الأقل، إن لم يكن أكثر بكثير. فجزيرة العرب واسعة كبيرة وسكانها أقوام شتّى تتباعد مواطنهم عن بعضها وتتقارب، ويجاورون (سلما وحربا) شعوباً شتّى (قبل الاسلام) كالفرس والهنود والحبش والعراق والشام ومصر والروم واليونان ...الخ. فما ذكرته القواميس ليس إلا غيض من فيض وليس إلا رأس جبل الجليد وما خفي عن أهل اللغة كان أعظم.
وأحاول قدر الإمكان أن أتجنّب التعريبات في المئة سنة الأخيرة (أكثرها كلمات أوربية)، لأنها كثيرة جداً. وأكثر الكلمات التي تعربت في الجاهلية هي من شعوب قديمة راسخة في الحضارة (على مستوى العالم في زمانهم)، كالعراق والشام ومصر. والشعوب العربية التي قامت بالتعريب هي تلك التي جاورت العراق والشام ومصر (أظن أن قبائل قضاعة هي أكثر من عرّب كلمات عراقية شامية مصرية). وقبائل سبأ ومعين لعبت دوراً كبيراً في التعريب من هذه الشعوب الحضارية السابقة بسبب حضارة سبأ من جهة وبسبب كثرة أسفارها التجارية نحو الشام والعراق ومصر من جهة أخرى. وكذلك قبائل اليمن عموماً (خاصة سواحل جنوب جزيرة العرب) وعمان والبحرين عرّبوا كلمات من شعوب الهند والسند وفارس والحبش (من خلال الأسفار والتجارة والحروب). وأما بعد الإسلام فحدث مالم يكن في الحسبان (ليس له مثيل في تاريخ العالم اللغوي). فبعدما تكلم كثير من أبناء الشعوب (غير العربية) اللسان العربي (خاصة الذين أسلموا) بسبب سيطرة اللسان العربي، أدخلوا الكثير من ثقافاتهم اللغوية (من ألسنتهم الأصلية) إلى اللغة العربية [جمهرة اللغة" وَقد دخل فِي عَرَبِيَّة أهل الشَّام كثير من السُّريانية]، هذا غير ما عرّبه العرب أنفسهم من لغات تلك الشعوب.
 


 حامد العولقي